الاثنين، 4 يونيو 2012

المنافسة غير المشروعة


تعريف ومفهوم المنافسة غير المشروعة

يمكن تعريف المنافسة غير المشروعة – بوجه عام - بانها استخدام التاجر لطرق منافية للقوانين او العادات او الشرف (37) .
ويقصد بالتنافس تزاحم التجار أو الصناع على ترويج أكبر قدر من منتجاتهم أو خدماتهم من خلال جذب أكبر عدد من العملاْء ، ويحقق التجار هذه الغاية مستندين الى حرية المنافسة فيما بينهم و حرية الاختيار لدى جمهور المستهلكين ، واذا تحقق هذا التنافس بشرف وامانة اي وفقا لاحكام القانون والعادات التجارية والاتفاقات الخاصة ، ادى ذلك الى تحقيق مزايا اقتصادية عديدة ابرزها انخفاض الاثمان وارتفاع القيمة الحقيقية للنقود ، وتحقيق جودة عالية للسلع والخدمات وبالتالي الى ازدهار التجارة و رفاهية واضحة للجمهور(38).
ولما كان التجار او الصناع المتماثلين في مهمتهم يعرضون بضائعهم وخدماتهم لذات الجمهور ، فان زيادة عملاء احدهم لا بد ان يقابلها نقص في عملاء الاخرين ، وحتى يكون جذب عملاء الاخرين مشروعا بالرغم من ان ذلك يقابله ضرر بالنسبة للتجار المنافسين ، فانه يتعين تنظيم هذا التنافس بحيث لا يسمح للتجار تجاوز حدود حرية المنافسة بافعال مخالفة للقانون بمعناه الواسع ، وتتضح مخالفة افعاله للقانون من خلال استخدام الشخص لوسائل تؤثر على حرية اختيار الجمهور(39).

والحقيقة ان الفقه بوجه عام ، وفقه القانون التجاري بوجه خاص – في حدود مراجع الدراسة المشار الى غالبيتها في هذا المبحث – لم يتوسع في تعريف المنافسة غير المشروعة باكثر مما عرضناه اعلاه ، وردد في ذلك ما قاله القضاء المصري والمقارن بشانها منذ اواخر القرن التاسع عشر في بعض الاحكام المحدودة التي سنقف عليها فيما ياتي ، ومرد ذلك تركيز الفقه على صورها ، وذات الموقف نجده ايضا في غالبية التشريعات المقارنة قبل موجة تعديلاتها الاخيرة خلال السنوات الاخيرة في عقد التسعينات ، حتى لا نكاد نجد تعريفا في احدها للمنافسة غير المشروعة بل نجد عرضا لما يعد صورا من صورها وما يدخل في مفهومها ، والاداة القانونية الوحيدة التي حددت مفهوما عاما للمنافسة غير المشروعة منذ قدم تمثلت في اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883 حيث جاء في المادة 10 مكررة – ثانيا منها :- :-
(( 1 - تلتزم دول الاتحاد بأن تكفل لرعايا دول الاتحاد الأخرى حماية فعالة ضد المنافسة غير المشروعة.
2 - يعتبر من أعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع العادات الشريفة في الشؤون الصناعية أوالتجارية.
3 - ويكون محظورا بصفة خاصة ما يلي :
أ- كافة الأعمال التي من طبيعتها أن توجد بأية وسيلة كانت لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
ب- الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
ج- البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها. )))

فقد نصت المادة 2 من قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية الاردني مدار البحث على انه :-
(( أ . يعتبر عملا من اعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية اوالتجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي :
1. الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
2. الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
3. البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .
4. أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج او تحدث لبسا فيما يتعلق بمظهره الخارجي او طريقة عرضه او قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج او طريقة احتسابه .
ب. اذا كانت المنافسة غير المشروعة متعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء اكانت مسجلة ام غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور فتطبق في هذه الحالة احكام الفقرة أ من هذه المادة .
ج. تسري الاحكام الواردة في الفقرتين (أ) و (ب) من هذه المادة على الخدمات حسب مقتضى الحال. ))

صور المنافسة غير المشروعة

ان اول ما يتعين الاشارة اليه في هذا المقام هو ان صور المنافسة غير المشروعة او اعمال المنافسة غير المشروعة احد شروط دعوى المنافسة غير المشروعة بل اهمها ، وبدونها ليس ثمة منافسة غير مشروعة ابتداء ، لانها تمثل السلوك الخاطيء المنشيء للمسؤولية ، وقد درج فقه القانون التجاري على تناولها ضمن بحثه لشروط دعوى المنافسة غير المشروعة التي نتناولها لاحقا ، وحيث نعرضها في هذا المقام فاننا لن نعود لايرادها لدى بحث الشروط ، وسنكتفي في المقام المشار اليه الى ذكر الشرط والاحالة في تفصيلاته الى هذا المطلب .
وقد تقدمت الاشارة الى ان افعال المنافسة غير المشروعة – من حيث صورها – لا يمكن ان تدخل تحت حصر دقيق ، فهي تتغير بتغير طبيعة الانشطة وادوات العمل ، كما انها تتاثر بالعادات المرعية في مجتمع التجارة المعني ، وبما يبتكره التجار من وسائل للتاثير على العملاء . وقد اجتهد الفقه في وضع تقسيمات متباينة لطوائف صور المنافسة غير المشروعة معتمدا على الحالات التي نظرها القضاء وما يمكن ان يستفاد من مفهوم المنافسة غير المشروعة بذاته ، اضافة الى التحديد الوارد في المدونات القانونية التي سبق بيانها . ونعرض تاليا لتصنيف افعال المنافسة غير المشروعة لدى الفقه والمدونات القانونية ثم نقف تفصيلا على صور المنافسة غير المشروعة وفق القانون الاردني .

4-1 تصنيف اعمال المنافسة غير المشروعة فقها وتشريعا

ثمة ثلاث تقسيمات رئيسة لدى الفقه لطوائف اعمال المنافسة غير المشروعة(48) :-
الاول :- ينطلق من انها جميع الافعال المخالفة للقانون ، لا في معناه الضيق وانما في معناه الواسع الذي يستوعب العادات التجارية والعقود الخاصة المنظمة للتنافس ، وعلى ذلك فان هذا الرأي يصنف افعال المنافسة غير المشروعة في فئات ثلاث هي :-
الممارسات المخالفة للقانون واللوائح ، كاذاعة وقائع مختلفة او ادعاءات كاذبة (خلافا للمادة 435 عقوبات اردني) (49) وكتصريف التاجر لبضائعه باعتبارها تخص شخصاً اخر (مادة 37 من قانون العلامات الاردني) (50) ، وكاستعمال علامة تجارية تخص الغير دون ترخيص من الاخير او استعمالها على وجه مخالف للترخيص بما يلحق الضرر بمالكها خلافا لحكم قانون العلامات التجارية ، او كاستعمال الاسم او العنوان التجاري الخاص بالغير خلافا لاحكام قانوني التجارة والاسماء التجارية .
الافعال المخالفة لعادات التجارة ، وهي التي لا يشكل اتيانها خطأ منصوصاً عليه في تشريع عادي او فرعي ولكنها مخالفة لعادة تجارية ، كتلك التي تستهدف تقويض او افساد مشروع منافس في معركة تنافسية شريفة ، ومن امثلتها اشاعة اسرار صناعة ( عندما لا يتوفر تشريع للاسرار التجارية والصناعية ) ، او افعال صرف العمال لدى المنافسين ، او ازالة واتلاف الرموز الملصقة ببضاعة تاجر او تمزيق ملصقاته لتحويل الطلب عنه , او استخدام عامل كان يعمل لدى تاجر منافس للحصول على عملاء واسرار محله بهدف افنائه مادياً ، ويعتبر من قبيل الافعال المخالفة للعادات التجارية استعمال شكل خارجي مشابه لشكل محل منافس ، او تقليد دعاية واعلانات يقوم بها تاجر منافس (51).

4-2 صور المنافسة غير المشروعة وفق احكام القانون الاردني

سبقت الاشارة الى ان احكام المنافسة غير المشروعة في قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية الاردني قد استندت الى التنظيم الوارد في اتفاقية باريس ، وتحديدا من حيث معيار تحديد افعال المنافسة غير المشروعة ، لكن بوقوفنا على نص المادة الثانية من هذا القانون نجدها قد اضافت الى الصور -غير الحصرية- المقررة في اتفاقية باريس ثلاث صور سنجد انهما لا تستقل في مفهومهما عن الصور الاصلية الواردة في الاتفاقية والقانون ، ذلك ان المادة الثانية من القانون الاردني مدرا البحث تنص على انه :-
(( أ . يعتبر عملا من اعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية اوالتجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي :
1. الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
2. الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
3. البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .
4. أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج او تحدث لبسا فيما يتعلق بمظهره الخارجي او طريقة عرضه او قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج او طريقة احتسابه .
ب. اذا كانت المنافسة غير المشروعة متعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء اكانت مسجلة ام غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور فتطبق في هذه الحالة احكام الفقرة أ من هذه المادة .
ج. تسري الاحكام الواردة في الفقرتين (أ) و (ب) من هذه المادة على الخدمات حسب مقتضى الحال. ))

وبالتالي ووفقا لهذا النص فان صور المنافسة غير المشروعة ( غير الحصرية ) تتمثل بما يلي :-



اولا :- الاعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
وهذه الاعمال من شأنها احداث الخلط او اللبس حول التاجر او منتجاته او نشاطه بحيث يترتب على ذلك انصراف العملاء عن المحل التجاري الى محل التاجر مرتكب الاعمال ، والمثال على ذلك استعمال اسم تجاري لتاجر اخر ، او تقليد علامة تجارية ، او الرسوم النماذج الصناعية ، كذلك وضع بيانات غير صحيحة على المنتجات ، واستعمال وسائل الدعاية والاعلان التي يستخدمها تاجر اخر . (57)
وبالرجوع الى التطبيقات القضائية بشان هذه الطائفة من الاعمال ، نجد ان كتب الفقه – المعتمدة كمرجعيات في هذا الفصل – قد اوردت العديد من تطبيقات القضاء المصري لما يعد افعالا من شانها ان تحدث خلطا ولبسا مع نشاط المنافس ، من ذلك ان يطلق المنافس على محله اسما تجاريا (58) او عنوانا تجاريا سبق لمحل اخر استعماله ، او ان يقلد المنافس المظهر الخارجي لمحل منافسة كما اذا قلد طريقة التغليف (59) او انشأ (فترينة) عرض البضاعة على نمط (الفترينة) التى انشأها منافسة ، او كما اذا طلى المحل التجارى بنفس اللون او وضع فيه علامات او زخارف مميزة يكون قد سبق لمنافسة استخدامها . كذلك قد يقلد المنافس العلامات التجارية (60) والرسوم والنماذج الصناعية او يضع على بضاعته البيانات التي يضعها تاجر اخر على بضاعته (61) الى غير ذلك من الاساليب التى توقع العملاء في اللبس فيختلط عليهم الامر بالنسبة للمحلات المتنافسه او البضاعة التى تتجر فيها هذه المحلات .

ثانيا :- الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين او منتجاته او نشاطه الصناعي او التجاري .
وهى اعمال يقصد بها النيل من سمعة التاجر المنافس (62) او الطعن في شخصيه او التنديد بضعف ائتمانه وعدم ملاءته . كذلك قد يقصد من هذه الاعمال الحط من قيمة البضاعة التى يبيعها تاجر اخر او الادعاء بانها مغشوشة او لا تتضمن العناصر الواجب توفرها فيها او انها غير صالحة للاستعمال او ضارة ، الى غير ذلك من الاساليب التي يترتب عليها انصراف العملاء عن المحل الذى اعتادوا عليه او عن استعمال السلعة التى يتجر فيها .
ويتوصل التاجر المنافس الى تحقيق غرضه بوسائل مختلفة كتوزيع المنشورات او النشر في الصحف او المجلات او تقديم المذكرات الى الجهات الادارية المختلفه الى غير ذلك من اساليب الاذاعة والنشر، لكن لا تعتبر الاعمال المتقدمة من قبيل القدح والذم والتحقير المعاقب عليه جنائيا الا اذا كان من شأنها المساس بشرف المجنى عليه او اعتباره او اذا استوجبت احتقاره بين مواطنية .

ثالثا :- البيانات او الادعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات او طريقة تصنيعها او خصائصها او كمياتها او صلاحياتها للاستعمال .
ووجه التفريق بينها وبين الطائفة الثانية المتقدمة انها بيانات وادعاءات لا توجه الى منتجات او منشأة تاجر منافس بل تنصب على ما ينتجه التاجر نفسه ، فقد يورد على منتجاته انها (صنعت في كذا) (صنعت بترخيص من كذا) ، او انها صنعت باستخدام وسائل التصنيع الفلانية وهي ليست كذلك ، او الزعم انها صالحة للاستخدام خلافا للحقيقة ، او بايراد بيان غير صحيح بالنسبة لكمية المادة الموجودة داخل الوعاء او الغلاف من حيث عدد الوحدات او الوزن ، الى ما ذلك من ادعاءات يقصد منها اسباغ صفة ووصف غير حقيقين في كيفية صناعة المنتج او خصائصه او صلاحيته للاستعمال ، وتؤدي مثل هذه البيانات والادعاءت الى تضليل الجمهور الذي قد ينكب على سلعة معينة لتوفر خاصية فيها ظنا منه انها كذلك ، وابرز الامثلة الشائعة على هذا النوع من الادعاءت ، البيانات التي ترد على كثير من المنتجات الغذائية بانها منتجات طبيعية وهو ادعاء غير صحيح ، او البيانات التي تفيد انها خالية من الدسم او قليلة الدسم وهي ليست كذلك ، او البيانات الواردة على علب السجائر بشان نسب النيكوتين والقطران في حين انها لا تتطابق مع الحقيقة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق