الأحد، 3 يونيو 2012

التحكيم في إطار مركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية



التحكيم في إطار مركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية

دكتور/ محمد حسام محمود لطفي

أستاذ ورئيس قسم القانون المدني - كلية حقوق بني سويف -جامعة القاهرة - محام لدى محكمة النقض

القاهرة أكتوبر 2001


التحكيم هو اقدم الوسائل التي ابتكرها الإنسان لفض ما قد ينشأ بينه وبين أقرانه من منازعات وأبرز دليل على أقدمية التحكيم ودوره في حل الخلافات ورد في قضية النزاع الذي نشب بين قابيل وأخيه هابيل على الزوجة التي سيقترن بها حيث كان النظام السائد هو أن يتزوج الرجل بشقيقته بشرط ألا يكون توأما لها، فكان الزواج يتم مع المغايرة في شريك الرحم وبنفس الفترة مفاد ذلك أن المقدر كان أن يتزوج هابيل بتوأم قابيل ويتزوج قابيل بتوأم هابيل، فأراد قابيل أن يتزوج بتوأمه خلافا للمألوف حيث رأي نفسه أحق منها بأخيه. فكان أن احتكما إلى "السماء" فقرب كل منهما قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر[1].


وفي السيرة النبوية ما يدل على وجود نظام التحكيم قبل الرسالة المحمدية حيث احتكم أهل قريش إلى الشاب الورع محمد بن عبد الله في واقعة حمل الحجر الأسود، فكان أن خلع قميصه ووضع عليه الحجر وجعل ممثلي قبائل قريش جميعا يحملون طرفا من القميص فجنبهم بذلك الخلاف الذي نشب بينهم حول أيهم أحق بحمل هذا الحجر الأسود.


ولما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام نزل قوله تعالى "بلى لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[2]"


وقـد يختلط التحكيم كوسيلة لفض المنازعات بالوساطة (Mediation) أو التوفيق (Conciliation) حيث لا يستهدف الأخير فض النزاع بحكم حاسم بل الحصول على توافق الأطراف المتنازعة على الحل المقبول منهما وتجد مثالا لذلك في القرآن الكريم في حالة الشقاق بين الزوجين "وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهلها وحكما من أهله أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"[3].


وإذا كان الأمر كذلك منذ بدايات البشرية، فالأمر لا يختلف في العصر الحديث حيث ارتضت المجتمعات المتحضرة التحكيم كأسلوب لفض المنازعات وضمنته تشريعاتها بل وأسبغت على أحكامه صبغة "الحكم" وألزمت الأطراف المتنازعة باحترامه، بل وأبرمت معاهدة نيويورك لضمان تنفيذ هذه الأحكام من قبل الدول[4].




وبعد أن وقعت اتفاقية مراكش بإنشاء منظمة التجارة العالمية في ديسمبر عام 1994 تضمن نظاماً، ورأت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO: World Intellectual Property Organization)d]] أن نضع نظاماً لفض المنازعات بين الأفراد لمواجهة الآفات الثلاثة للنظام القضائي الوطني وهي التأخير (Delay) والمدة (Length) والتكلفة (Cost).


ويتميز هذا النظام الجديد بالتخصص في مجال الملكية الفكرية، فضلا عن انه ثنائي بمعنى أنه يتضمن نظامين لفض المنازعات وهما الوساطة والتحكيم وقد بدأ نفاذ نظامهما اعتبارا من الأول من أكتوبر تشرين الأول عام 1994- يضاف إليهما نظام ثالث للوساطة المتبوعة بتحكيم.


فضلا عن ذلك يتيح المركز خدمات استشارية بشأن اتفاقات إحالة النزاعات إلى أي من هذه الوسائل الثلاثة للتسوية في ضوء ما يعقد من اجتماعات تحضيرية مع الخصوم في هذا الصدد، ويطلق على هذه الخدمات (Good offices) ويقوم المركز بصياغة اتفاق الإحالة سالف الذكر أو المعاونة في ذلك حسبما يرتضي الأطراف.


الوساطـــة

تعتبر الوساطة أسلوبا غير ملزما (non-binding) لأي من الأطراف المتنازعة، فلا يكون في الوسع فرضه عليهم إلا برضاء تام صحيح ومستمد من جانبهم، فإذا ما ارتأى أحدهما نبذه بداية أو العدول عنه في أي توقيت لاحق- وهذا ما يعبر عنه بأنه إجراءات تحت السيطرة (controllable) - زال كل أثر للوساطة.


ويمكن التمييز بين صورتين للوساطة بالنظر إلى ما يتمتع به الوسيط من سلطات - دون إخلال بالطابع غير الشكلي (Informal) الذي يميزه، وسمة عدم المواجهة ((non- confrontational التي تتم إجراءاته فيما بين الخصوم- على النحو الآتي:


الصورة الأولى (الصورة البسيطة): وساطة للتيسير والتقارب (Facilitative Mediation)، وهي عبارة عن وساطة يقتصر دور الوسيط فيها على إطلاع كل طرف متنازع على نقاط الضعف والقوة في موقفه ويجيب عن استفساراته وتساؤلاته المختلفة، ولعل كثرة تطبيقات هذه الصورة جعل الوسيط مجرد "رسول" ينقل وجهات نظر كل طرف إلى الآخر فحسب، فلا يكون للوسيط أي دور تفاعلي مع الأطراف ومفاد ذلك ألا يرد الوسيط على سائل أو يبدي ملاحظة.


الصورة الثانية (الصورة المركبة): وساطة تقويمية (Evaluative Mediation)، وهي عبارة عن وساطة يتجاوز دور الوسيط فيها تقديم الإجابات وجلاء الغامض من الأمور بل ينتهي فيها الوسيط إلى رأي محدد يسنده إلى تقويمه الشخصي لمواقف الأطراف وحججهم وان ظل هذا الرأي غير ملزم لأي من الطرفين.


ونورد فيما يلي أحكام الوساطة بوجه عام:


حالات الوساطة:


تستخدم الوساطة عادة في الحالات الآتية:


- فشل المفاوضات الودية.


- تهيئة مناخ للتسوية دون اللجوء إلى التقاضي أو التحكيم.


- التوصل إلى حل وقائي (Dispute Prevention) لتفادي وقوع نزاع أكبر من مجرد فض النزاع بعد وقوعه ( Dispute Resolution ).


- الخروج من طريق مسدود (Impasse) في معرض إبرام أو تنفيذ اتفاق على درجة من الأهمية كبيرة بالنسبة لأطرافه مثال ذلك عدم الاتفاق على مسألة "فرعية" كتحديد الإتاوة العادلة في عقد ترخيص.

التحكيـم


يتمثل التحكيم في أسلوب حاسم لفض منازعة إما قبل وقوعها أو بعد وقوعها، وإذا كان التحكيم مرده بداية إرادة الأطراف شأنه في ذلك شأن الوساطة، فإن الاتفاق عليه مفاده جعل القول الفصل في يد هيئة التحكيم، فلا يكون لأي من الطرفين العدول عنه أو التحلل منه. فيتميز بذلك التحكيم بأن الحكم الصادر فيه يستند إلى معيار موضوعي (Objective Standard) مرده إلى القانون واجب التطبيق وليس إلى إرادة الأطراف (Will of partners) فيجتهد كل خصم في إقناع هيئة التحكيم بعدالة قضيته وسلامة حججه وقوة أسانيده، ولا شأن له بخصمه، فلا يقدم دفاعه إلى خصمه بل إلى هيئة التحكيم.


إجراءات التحكيم


المرحلة الأولى:


وقد يكون اتفاق التحكيم، كما سبق ا لقول، سابقا على وقوع النزاع فيسمى شرط التحكيم (Clause Arbitration) وقد يكون لاحقا على ذلك فيسمى مشارطة التحكيم ويعبر عنها بمصطلح (Submission agreement).


المرحلة الثانية:


الاتفاق على ما يلي:


(أ)- القانون واجب التطبيق: فإذا لم يحدد الأطراف اتفاقا حددته هيئة التحكيم حسبما تراه مناسبا.


(ب)- لغة التحكيم: وإن كان لهيئة التحكيم تحديد اللغة المناسبة وفقا لظروف النزاع أو استجابة لطلبات أطرافه.


(ج)- عدد المحكمين: إذا ما أخفق الأطراف في الاتفاق عليه حدده المركز بواحد ما لم تكن ظروف النزاع تتطلب مشاركة عدد اكبر فيحدده المركز بثلاثة محكمين.


التحكيم المعجل


Expedited Arbitration


يتمثل هذا التحكيم الاتفاقي (Conventional Arbitration) وهو عبارة عن تحكيم يرتضيه الأطراف ويستجمع عدة عناصر تجعل منه تحكيما معجلا، علما بأنه لا يختلف عن نظام التحكيم العادي إلا بعدة عناصر نوردها فيما يلي:


أولا: مدة نظر النزاع:


تنظر ا لدعوى في جلسات مكثفة خلال مدة ثلاثة أيام فحسب، ما لم تستدعى الدعوى المنظورة مدة أطول- مفاد ذلك أن الأصل هو احترام قاعدة الثلاثة الأيام والاستثناء وهو تجاوز هذه المدة.


ثانيا: عدد المحكمين:


تتشكل هيئة التحكيم المعجل من محكم فرد. وإذا لم يتم تعيين المحكم المنفرد خلال 15 يوما بعد الشروع في التحكيم ، تولى المركز تعيين المحكم المنفرد.


ثالثا: إجراءات التحكيم:


يلتزم أطراف التحكيم بما يلي:


- التقدم بطلب التحكيم(Request) ومعه مذكرة بالطلبات (Statement of Claims).


- التقـدم بمذكرة الدفاع (Statement of Defense) ومعها مذكرة بالرد على الطلبات (Answer) ويلتزم المدعى عليه بأن يوجه إلى المركز وإلى المدعى ردا على الطلب يتضمن تعليقات على أي عنصر من عناصر طلب التحكيم في غضون عشرين يوما من تاريخ تسلم طلب التحكيم من المدعى أو في غضون عشرة أيام من تاريخ تعيين هيئة التحكيم أيهما لاحق.


رابعا: المدة الإجرائية:


حددت مدة إجرائية أقصر وفرض اختتام إجراءات التحكيم في غضون ثلاثة اشهر فسحب اعتباراً من تاريخ تسليم مذكرة الدفاع أو إنشاء هيئة التحكيم أيهما لاحق كلما كان ذلك ممكنا ومعقولا.


ويصدر حكم التحكيم في موعد شهر واحد متى كان ذلك ممكنا ومعقولا.


ويتضح مما سبق أن المدد أنقصت في شأن اختصار إجراءات التحكيم إلى ثلاثة اشهر بدلاً من تسعة، وفى شأن إصدار حكم التحكيم إلى شهر واحد بدلا من ثلاثة اشهر.


الوساطة المتبوعة


بالتحكيم في غياب التسوية


وتتمثل هذه الوساطة في إجراء مزدوج يتيح للأطراف الانتقال من الوساطة إلى التحكيم خلال مهلة زمنية يتفق عليها الأطراف مسبقا، على التفصيل المتقدم.


ARBIT1/HOS/WP98/AF/SA


الهوامش

([1]) تتمة القصة أن قابيل رفض "الحكم" الصادر لصالح شقيقه وقتله.


(2) آية رقم 65 سورة النساء.


(3) آية رقم 35 سورة النساء.


(4) وضعت في نيويورك في الفترة من 20 مايو- 10 من يونيو سنة 1958 ويبلغ عدد الأعضاء فيه مائة وسبع عشرة دولة طبقا لإحصاء رسمي تم في الأول من يونيو سنة 1998.


(5) منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة وتضم مائة وسبع وخمسين دولة ويعمل فيها خمسمائة وخمسون عضوا من حوالي ستين جنسية، وتحقق دخلا سنويا قدره مائة وخمسون مليون فرنك سويسري يمثل دخل التسجيل الدولي منها 86% من هذا الدخل.


(6) كما إذا كان وجه النزاع ظاهر الفساد لثبوت حق المدعى ( ).


(7) يتناصف الأطراف رسم التسجيل وأتعاب الوسيط وسائر مصروفات الوساطة، بما في ذلك على وجه الخصوص مصروفات تنقل الوسيط الضرورية وأي مصروفات مقترنة بخدمات الخبراء ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق