الأحد، 3 يونيو 2012

القضاء الاداري

ولاً : ظهور القضاء الاداري 




تعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى الدول الاخرى وكان ظهور هذا النظام نتيجة للافكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 التي تقوم على اساس مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الادارية للحفاظ على استقلال الادارة تجاه السلطة القضائية . 


وتأكيداً لهذا الاتجاه اصدر رجال الثورة الفرنسية قانون 16-24 آب عام 1790 نص على الغاء المحاكم القضائية التي كانت تسمى بالبرلمانات وانشأ ما يسمى بالادارة القاضية او الوزير القاضي كمرحلة اولى قبل انشاء مجلس الدولة الفرنسي . وفي هذه المرحلة كان على الافراد اللجوء الى الادارة نفسها للتظلم اليها وتقديم الشكوى , فكانت الادارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته , وكان هذا الامر مقبولاً الى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء (( البرلمانات )) التعسفية . 

وبنشوء مجلس الدولة في 12 / 12 / 1799 في عهد نابليون وضعت اللبنة الاولى للقضاء الاداري الفرنسي وكان اختصاصه استشارياً اول الامر , وبتاريخ 24 / 5 / 1872 منح المجلس اختصاصاً قضائياً باتاً . 

ومنذ ذلك الوقت تمتع القضاء الاداري بالكثير من الاستقلال والخصوصية تناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الادارية وانشاء قواعد القانون الاداري المتميزة اصلاً عن قواعد القانون الخاص . ومن فرنسا انتشر النظام القضائي المزدوج في كثير من الدول ومنها مصر في عام 1946 والعراق عام 1989 . 


ثانياً : خصوصية القضاء الاداري 





ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة ويؤدي بالادارة الى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون , وقد حمل القضاء الاداري على كاهله هذه المهمة , وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية من نواح متعددة نظرية وعملية . 

1- من النواحي النظرية : 



أ- ان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكيد لمبدأ الشرعية , والضمانة الفعالة لسلامة وتطبيقه و التزام حدود احكامه , وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة . 

ب- تحقق رقابة القضاء على اعمال الادارة ثباتاً واستقراراً في النظام القانوني للدولة والاوضاع الادارية . (3) فهذا القضاء يتمتع بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الادارة والافراد , وهو مجال لا يجوز تركه للقضاء المدني . (4)

فاذا كان القضاء العادي يمارس شكل من اشكال الرقابة في الحدود التي يفرضها القانون وله الولاية في الفصل في المنازعات بين الادارة والافراد في بعض الدول وخاصة الانكلوسكونية منها فان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تحقق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة وهي مهمة تتطلب الالمام بالقانون الاداري وطبيعة المنازعة الادارية والقدرة على التمييز بين علاقات القانون الخاص وعلاقات القانون العام . وهو ما جعل للقانون العام النمو المتزايد يوماً بعد يوم حتى اصبحت معظم موضوعاته مستقلة تمام الاستقلال عن القانون الخاص . (5)

ج- تتميز احكام القضاء العادي بانها ذات حجة نسبية تقتصر على اطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيرياً على النقيض من احكام القضاء الاداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة . 



2- من النواحي العملية 



一- يمثل القضاء الاداري الجانب العملي والتطبيقي للقانون الاداري الذي تعد دراسته مجالاً خصباً وميداناً فسيحاً للصراع المتطور بين السلطة والحرية , والمعركة الخالدة بين المصلحة العامة وحقوق الفرد وتبعا لذلك تزداد الاهمية العملية لوجود القضاة المتخصصين في المنازعات الادارية خاصة بعد ازدياد تدخل الدول في كل الميادين التقليدية للنشاط الفردي ومضاعفة واتساع المرافق العامة , وتشعب وتنوع وظائفها وتعقد روابط السلطة العامة بالجمهور , فتضاعفت كنتيجة حتمية لكل ذلك فرص الاحتكاك بين الادارة والافراد . (6)



ب- اختلاف مراكز الخصوم في الدعوى الادارية عنها في الدعوى المدنية , الامر الذي يتطلب من القاضي في الاولى ان يكون اداة دقيقة لاعادة ميزان العدل في حكم علاقة الافراد بالدولة , فيسد عن كل طرف عجزه ويكمل وجهة النقص فيه . (7)

فالقاضي الاداري له وضع خاص ومتميز في مواجهة القانون والادارة والافراد , وهو ما يتطلب او يستلزم تخصصه في الفصل في الدعاوى الادارية واستقلاله عن جهة القضاء العادي , واعداده الاعداد القانوني الجيد حتى يقوم بالدور المهم الذي يوكل اليه . (8)



ثالثاً : ولاية القضاء الاداري على اعمال الادارة 





كلما تعددت حاجات الناس وتشعبت كلما زاد تدخل الادارة او الدولة في تنظيم امور المجتمع , وعندما يزداد تدخلها يتضخم جهازها وادارتها , بل ويصبح اكثر اتصالاً بامور الناس , وابعد تأثيراً في حياتهم العامة والخاصة . (9) وكل ذلك يستدعي وجود قضاء اداري يتمتع بولاية الفصل في المنازعات الادارية . 

وقد درج المشرع في مختلف الدول على منح القضاء الاداري ولاية النظر في الطلبات التي يقدمها الافراد او الهيئات بالغاء القرارات الادارية النهائية والتعويض عنها , بالاضافة الى نظر المنازعات الخاصة بالعقود الادارية والجنسية وغيرها من المنازعات ذات الطبيعة الادارية . 

وقد اتبع العراق اسلوباً متميزاً في تنظيمه للرقابة على اعمال الادارة بانشاء مجلس الانظباط العام ومحكمة القضاء الاداري .

يختص مجلس الانظباط العام بنوعين من المنازعات الادارية الاول هو النظر في الطعون المقدمة ضد العقوبات التأديبية وفقاً لقانون انظباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 اما الاختصاص الثاني فيتعلق بالنظر في دعاوى الموظفين الناشئة عن حقوق الخدمة المدنية والتي يحكمها قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل والانظمة الصادرة بمقتضاه . 

اما الهيئة القضائية الاخرى وهي محكمة القضاء الاداري والتي تم انشائها بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 فتختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي التي لم يعين مرجع للطعن فيها والتعويض عنها اذا ما رفع طلب التعويض تبعاً لطلب الالغاء . (10)

وقد ورد في المادة السابعة / ثانياً من القانون اعلاه : " هـ. يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي : 

1. ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات .

2. ان يكون الامر او القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص او معيباً في شكله . 

3. ان يتضمن الامر او القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعلمات او في تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة ويعتبر في حكم القرارات او الاوامر التي يجوز الطعن فيها رفض او امتناع الموظف او الهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عن اتخاذ قرار او امر كان من الواجب عليها اتخاذه قانوناً " . 

ما يخرج عن ولاية القضاء الاداري : 



اخرج المشرع من اختصاصات محكمة القضاء الاداري الطعون في القرارات الاتية : 

1. اعمال السيادة واعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية . 

2. القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية . 

3. القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها . 

وفي ضوء ذلك يتبين ان اختصاصات المحكمة محدودة جداً فهي علاوة على حصر اختصاصها بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية دون النظر في المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية , ومن المعروف ان منازعات العقود الادارية من صميم اختصاص القضاء الاداري في كثير من الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج , نجد ان المشرع قد استثنى العديد من القرارات الادارية من قبيل المراسيم والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية والتي اعتبرها من اعمال السيادة . وهو امر يتنافى مع مبدأ المشروعية وضرورة خضوع الادارة للقانون ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم . كما ان المتتبع لطبيعة النظام القانوني العراقي يجد انه زاخر بالنصوص التي ترسم طريقاً للتظلم من القرارات الصادرة من بعض الجهات الادارية امام الادارة نفسها او امام لجان ادارية او شبه قضائية وان استثناء المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة هذا النوع من القرارات من ولاية محكمة القضاء الاداري يقضي على ضمانة مهمة من ضمانات التقاضي ويحرم الافراد من الاستفادة من قضاء مستقل متخصص بالمنازعات الادارية .

المطلب الثاني : اهمية وجود القضاء الاداري 





من المهم تقرير خضوع قرارات الادارة وتصرفاتها كافة لرقابة القضاء ضماناً لاحترام حريات الافراد بصرف النظر عن كون هذا القضاء عاديا ام اداريا , لكن القضاء الاداري يتمتع بخصوصية تجعله اكثر كفاية في هذا المجال . 



اولاً : ظهور القضاء الاداري 





تعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى الدول الاخرى وكان ظهور هذا النظام نتيجة للافكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 التي تقوم على اساس مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الادارية للحفاظ على استقلال الادارة تجاه السلطة القضائية . 

وتأكيداً لهذا الاتجاه اصدر رجال الثورة الفرنسية قانون 16-24 آب عام 1790 نص على الغاء المحاكم القضائية التي كانت تسمى بالبرلمانات وانشأ ما يسمى بالادارة القاضية او الوزير القاضي كمرحلة اولى قبل انشاء مجلس الدولة الفرنسي . وفي هذه المرحلة كان على الافراد اللجوء الى الادارة نفسها للتظلم اليها وتقديم الشكوى , فكانت الادارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته , وكان هذا الامر مقبولاً الى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء (( البرلمانات )) التعسفية . 

وبنشوء مجلس الدولة في 12 / 12 / 1799 في عهد نابليون وضعت اللبنة الاولى للقضاء الاداري الفرنسي وكان اختصاصه استشارياً اول الامر , وبتاريخ 24 / 5 / 1872 منح المجلس اختصاصاً قضائياً باتاً . 

ومنذ ذلك الوقت تمتع القضاء الاداري بالكثير من الاستقلال والخصوصية تناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الادارية وانشاء قواعد القانون الاداري المتميزة اصلاً عن قواعد القانون الخاص . ومن فرنسا انتشر النظام القضائي المزدوج في كثير من الدول ومنها مصر في عام 1946 والعراق عام 1989 . 


ثانياً : خصوصية القضاء الاداري 





ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة ويؤدي بالادارة الى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون , وقد حمل القضاء الاداري على كاهله هذه المهمة , وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية من نواح متعددة نظرية وعملية . 

1- من النواحي النظرية : 



أ- ان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكيد لمبدأ الشرعية , والضمانة الفعالة لسلامة وتطبيقه و التزام حدود احكامه , وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة . 

ب- تحقق رقابة القضاء على اعمال الادارة ثباتاً واستقراراً في النظام القانوني للدولة والاوضاع الادارية . (3) فهذا القضاء يتمتع بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الادارة والافراد , وهو مجال لا يجوز تركه للقضاء المدني . (4)

فاذا كان القضاء العادي يمارس شكل من اشكال الرقابة في الحدود التي يفرضها القانون وله الولاية في الفصل في المنازعات بين الادارة والافراد في بعض الدول وخاصة الانكلوسكونية منها فان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تحقق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة وهي مهمة تتطلب الالمام بالقانون الاداري وطبيعة المنازعة الادارية والقدرة على التمييز بين علاقات القانون الخاص وعلاقات القانون العام . وهو ما جعل للقانون العام النمو المتزايد يوماً بعد يوم حتى اصبحت معظم موضوعاته مستقلة تمام الاستقلال عن القانون الخاص . (5)

ج- تتميز احكام القضاء العادي بانها ذات حجة نسبية تقتصر على اطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيرياً على النقيض من احكام القضاء الاداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة . 



2- من النواحي العملية 



一- يمثل القضاء الاداري الجانب العملي والتطبيقي للقانون الاداري الذي تعد دراسته مجالاً خصباً وميداناً فسيحاً للصراع المتطور بين السلطة والحرية , والمعركة الخالدة بين المصلحة العامة وحقوق الفرد وتبعا لذلك تزداد الاهمية العملية لوجود القضاة المتخصصين في المنازعات الادارية خاصة بعد ازدياد تدخل الدول في كل الميادين التقليدية للنشاط الفردي ومضاعفة واتساع المرافق العامة , وتشعب وتنوع وظائفها وتعقد روابط السلطة العامة بالجمهور , فتضاعفت كنتيجة حتمية لكل ذلك فرص الاحتكاك بين الادارة والافراد . (6)



ب- اختلاف مراكز الخصوم في الدعوى الادارية عنها في الدعوى المدنية , الامر الذي يتطلب من القاضي في الاولى ان يكون اداة دقيقة لاعادة ميزان العدل في حكم علاقة الافراد بالدولة , فيسد عن كل طرف عجزه ويكمل وجهة النقص فيه . (7)

فالقاضي الاداري له وضع خاص ومتميز في مواجهة القانون والادارة والافراد , وهو ما يتطلب او يستلزم تخصصه في الفصل في الدعاوى الادارية واستقلاله عن جهة القضاء العادي , واعداده الاعداد القانوني الجيد حتى يقوم بالدور المهم الذي يوكل اليه . (8)



ثالثاً : ولاية القضاء الاداري على اعمال الادارة 





كلما تعددت حاجات الناس وتشعبت كلما زاد تدخل الادارة او الدولة في تنظيم امور المجتمع , وعندما يزداد تدخلها يتضخم جهازها وادارتها , بل ويصبح اكثر اتصالاً بامور الناس , وابعد تأثيراً في حياتهم العامة والخاصة . (9) وكل ذلك يستدعي وجود قضاء اداري يتمتع بولاية الفصل في المنازعات الادارية . 

وقد درج المشرع في مختلف الدول على منح القضاء الاداري ولاية النظر في الطلبات التي يقدمها الافراد او الهيئات بالغاء القرارات الادارية النهائية والتعويض عنها , بالاضافة الى نظر المنازعات الخاصة بالعقود الادارية والجنسية وغيرها من المنازعات ذات الطبيعة الادارية . 

وقد اتبع العراق اسلوباً متميزاً في تنظيمه للرقابة على اعمال الادارة بانشاء مجلس الانظباط العام ومحكمة القضاء الاداري .

يختص مجلس الانظباط العام بنوعين من المنازعات الادارية الاول هو النظر في الطعون المقدمة ضد العقوبات التأديبية وفقاً لقانون انظباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 اما الاختصاص الثاني فيتعلق بالنظر في دعاوى الموظفين الناشئة عن حقوق الخدمة المدنية والتي يحكمها قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل والانظمة الصادرة بمقتضاه . 

اما الهيئة القضائية الاخرى وهي محكمة القضاء الاداري والتي تم انشائها بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 فتختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي التي لم يعين مرجع للطعن فيها والتعويض عنها اذا ما رفع طلب التعويض تبعاً لطلب الالغاء . (10)

وقد ورد في المادة السابعة / ثانياً من القانون اعلاه : " هـ. يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي : 

1. ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات .

2. ان يكون الامر او القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص او معيباً في شكله . 

3. ان يتضمن الامر او القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعلمات او في تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة ويعتبر في حكم القرارات او الاوامر التي يجوز الطعن فيها رفض او امتناع الموظف او الهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عن اتخاذ قرار او امر كان من الواجب عليها اتخاذه قانوناً " . 

ما يخرج عن ولاية القضاء الاداري : 



اخرج المشرع من اختصاصات محكمة القضاء الاداري الطعون في القرارات الاتية : 

1. اعمال السيادة واعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية . 

2. القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية . 

3. القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها . 

وفي ضوء ذلك يتبين ان اختصاصات المحكمة محدودة جداً فهي علاوة على حصر اختصاصها بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية دون النظر في المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية , ومن المعروف ان منازعات العقود الادارية من صميم اختصاص القضاء الاداري في كثير من الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج , نجد ان المشرع قد استثنى العديد من القرارات الادارية من قبيل المراسيم والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية والتي اعتبرها من اعمال السيادة . وهو امر يتنافى مع مبدأ المشروعية وضرورة خضوع الادارة للقانون ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم . كما ان المتتبع لطبيعة النظام القانوني العراقي يجد انه زاخر بالنصوص التي ترسم طريقاً للتظلم من القرارات الصادرة من بعض الجهات الادارية امام الادارة نفسها او امام لجان ادارية او شبه قضائية وان استثناء المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة هذا النوع من القرارات من ولاية محكمة القضاء الاداري يقضي على ضمانة مهمة من ضمانات التقاضي ويحرم الافراد من الاستفادة من قضاء مستقل متخصص بالمنازعات الادارية .


المبحث الثانينشاط الادارة العامةفي مواجهة الافراد





يقتضي احترام حقوق الافراد وحرياتهم وجود قواعد صارمة تمنع الادارة من الاعتداء على مبدأ المشروعية , غير ان حسن سير المرافق العامة واستمرار اداء الادارة وظيفتها يقتضيان منحها من الحرية ما يساعدها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب توخياً للمصلحة العامة . لذلك يجب الموازنة بين هذين الهدفين حتى لا يغلب احدهما على حساب الاخر فتختل الموازنة . 

ولعل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وازدياد تدخل الدولة في هذه المجالات المختلفة قاد بالضرورة الى وضع الوسائل المناسبة لادارة الدولة ونشاطها . 

وقد برز دور الدولة من خلال وظيفتين الاولى منها سلبية تتمثل بالضبط الاداري والذي يقوم على مراقبة وتنظيم نشاط الافراد حفاظاً على النظام العام . اما الوظيفة الثانية فهي وظيفة ايجابية تتمثل في ادارة المرافق العامة والوفاء بحاجات الافراد واشباع رغباتهم , ولعل الوظيفة الاولى هي مجال بحثنا بحكم مساسها بحقوق وحريات الافراد . 
المطلب الاول : ماهية واغراض الضبط الاداري 





لبيان المقصود بالضبط الاداري لا بد من ان نعرض الى تعريفه وانواعه واغراضه . 


اولاً : التعريف بالضبط الاداري 



يقصد بالضبط الاداري بمعناه العام مجموعة من الاجراءات والاوامر والقرارات التي تتخذها السلطة المختصة للمحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة (( الامن – الصحة – السكينة )) . 

ويلاحظ ان المشرع سواء في فرنسا او مصر او في العراق لم يضع تعريفاً محدداً للضبط الاداري , وانما اكتفى بتحديد اغراضه , وترك تعريفه للفقه والقضاء . 

وفي هذا المجال يعرف De laubadere الضبط الاداري بانه" مظهر من مظاهر عمل الادارة يتمثل في تنظيم حريات الافراد حماية للنظام العام ". (11)

بينما يتجه الفقهاء العرب ومنهم الدكتور طعيمة الجرف الى تعريفه بانه" وظيفة من اهم وظائف الادارة تتمثل اصلاً في المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الامن العام والصحة العامة والسكينة العامة عن طريق اصدار القرارات اللائحية والفردية واستخدام القوة المادية مع ما يتبع ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية تستلزمها الحياة الاجتماعية " . (12) بينما يعرفه الدكتور صبيح بشير مسكوني بانه " مظهر من مظاهر نشاط الادارة العامة يراد به ممارسة هيئات ادارية معينة اختصاصات فرض قيود على حريات الافراد وحماية النظام العام " . (13)

وأياً كان الامر فان الضبط الاداري نظام وقائي تتولى فيه الادارة حماية المجتمع من كل ما يمكن ان يخل بامنه وسلامته وصحة افراده وسكينتهم , ويتعلق بتقييد حريات وحقوق الافراد بهدف حماية النظام العام في الدولة . 

ويتميز الضبط الاداري عن الضبط التشريعي الذي يلجأ المشرع فيه الى اصدار القوانين التي تقيد حريات الافراد وحقوقهم حفاظاً على النظام العام والضبط القضائي الذي يتضمن الاجراءات التي تتخذها السلطة القضائية للتحري عن الجرائم بعد وقوعها والبحث عن مرتكبيها للقبض عليهم وجمع الادلة اللازمة للتحقيق معهم ومحاكمتهم . 

فالضبط الاداري يصدر من جانب الادارة في شكل قرارات تنظيمية او فردية يترتب عليها تقييد حريات الافراد وهو وان كان يصدر في اطار القوانين والتشريعات وتنفيذا لها ، غير ان ذلك لا يمنع الادارة من اتخاذ اجراءات مستقلة تتضمن قيوداً على الحريات الفردية بواسطة ما تصدره من لوائح الضبط . (14)



ثانياً : انواع الضبط الاداري 





يطلق مصطلح الضبط الاداري ويقصد به معنيان : الضبط الاداري العام والضبط الاداري الخاص . 

يقصد بالضبط الاداري العام المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الامن والصحة والسكينة العامة , وحماية جميع الافراد في المجتمع من خطر انتهاكه والاخلال به . 

اما الضبط الاداري الخاص فيقصد به حماية النظام العام من زاوية او ناحية معينة من نشاط الافراد من ذلك القرارات الصادرة بتنظيم نشاط صيد الحيوانات النادرة , وتنظيم عمل بعض المحلات العامة المضرة بالصحة او المقلقة للراحة , او في اماكن محددة , حيث يعهد بتولي سلطة الضبط في هذه الاماكن الى سلطة ادارية معينة , كأن يعهد الى شرطة الاثار بمهمة المحافظة على النطام في الاماكن الاثرية . 

ومن ثم فان الضبط الاداري الخاص قد يستهدف اغراضاً اخرى بخلاف اغراض الضبط الاداري العام التقليدية , اذ يمكن ان يفرض القيود التي يراها لتحقيق اهداف او اغراض اخرى خلاف النظام العام كالقيود التي تفرض على الافراد لحماية الاثار او تنظيم السياحة وتجميل المدن . 



ثالثاً : اغراض الضبط الاداري 





بينا ان الهدف من الضبط الاداري هو حماية النظام العام ومنع انتهاكه والاخلال به , وتمارس الادارة سلطة الضبط الاداري متى وجدت ذلك ضرورياً ولو لم ينص القانون على اجراء معين لمواجهة هذه الانتهاك او الاخلال . 

وفكرة النظام العام فكرة مرنة تختلف باختلاف الزمان والمكان , غير ان معظم الفقهاء يتفقون على ان النظام العام يهدف الى تحقيق ثلاثة اغراض رئيسية هي : الامن العام والصحة العامة والسكينة العامة . 

1. الامن العام : ويقصد به تحقيق كل ما من شأنه اطمئنان الانسان على نفسه وماله من خطر الاعتداءات والانتهاكات واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع وقوع الكوارث الطبيعية كالحوادث والاخطار العامة كالحرائق والفيضانات والسيول , والانتهاكات التي قد يتسبب بها الانسان كجرائم القتل والسرقة والمظاهرات واحداث الشغب وحوادث المرور . 

2. الصحة العامة : ويقصد بها حماية صحة الافراد من كل ما من شأنه ان يضر بها من امراض او اوبئة اذ تعمد الادارة الى تطعيم الافراد من الامراض المعدية وتتخذ الاجراءات التي تمنع انتشارها . كما تشرف على توفير المياه الصالحة للشرب وتراقب صلاحية الاغذية . 

3. السكينة العامة : ويقصد بها توفير الهدوء في الطرق والاماكن العامة ومنع كل ما من شأنه ان يقلق راحة الافراد او يزعجهم كالاصوات والضوضاء المنبعثة من مكبرات الصوت والباعة المتجولين ومحلات التسجيل ومنبهات المركبات . 

ومن الجدير بالذكر ان مفهوم النظام العام قد اتسع ليشمل النظام العام الادبي والاخلاق العامة , وامكن بالتالي استعمال سلطة الضبط الاداري للمحافظة على الآداب والاخلاق العامة , فتجاوز بذلك العناصر الثلاثة السابقة , وفي هذا الاتجاه تملك الادارة منع عرض المطبوعات المخلة بالاداب العامة وكذلك حماية المظهر العام للمدن وحماية الفن والثقافة . 
المطلب الثاني : وسائل الادارة في تقييد الحريات





في سبيل تحقبق أهداف الضبط الاداري لابد للادارة أن تستخدم وسائل أو أساليب معينة وهي لوائح أو أنظمه الضبط وأوامر الضبط الفرية وأخيرا التنفيذ الجبري .

أولا: انضمة الضبط الاداري .تتضمن هذه الانظمة قواعد عامة مجرده تهدف الى المحافضة على النظام العام بعناصرة الثلاثة ,وتتضمن تقييد حريات الافراد , لذلك نشأ خلاف شديد حول مدى مشروعيتها ,على أعتبار أن تقييد الحريات لايجوز الا بقانون ووضيفة الادارة تنحصر بوضع هذه القوانين موضوع التنفيذ .

غير أن الاتجاة السليم في القضاء والفقه يعترف للادارة بتنفيذ هذه القوانين وتكميلها , وقد تقضى هذه التكملة كما يذهب الدكتور " سامي جمال الدين " الى تقييد بعض الحريات . (15)

ومن ثم تعد لوائح اوانظمة الضبط أهم أساليب الضبط الاداري وأقدرها في حماية النظام العام , ومنها لوائح تنظيم المرور وتنظيم العمل في المحال العامة , وتتخذ عدة مظاهر في تقييدها النشاط الافراد منها الحظر , والاذن المسبق والاخطار والتنظيم .

1- الحظر :

يقصد بالحظر ان تتضمن لوائح او انظمة الضبط منع مزاولة نشاط معين منعاً كاملاً او جزئياً .

والاصل ان لايتم الحظر المطلق لنشاط ما لأن ذلك يعني انتهاك للحرية ومصادرة للنشاط . ولكن أجاز القضاء أستثناءً الحظر الكامل للنشاط عندما يشكل إخلالاً بالنضام العام كمنع انشاء مساكن للبغاء أو للعب الميسر . 

2- الاذن المسبق :

قد تظهر أنظمة الضبط في ضرورة الحصول على أذن مسبق من جهة الادارة قبل مزاولة النشاط , ومن الضروري أن يشترط القانون المنظم للحرية الحصول على هذا الاذن , إذا أن القانون وحدة يملك تقيد النشاط الفردي بإذن سابق وعكس هذا يسمح بالتمييز بين الافراد .









3- الأخطار عن النشاط :

ويحصل بان تشترط اللائحة او النظام ضرورة أخطار السلطة المختصة بمزاولة نشاط معين حتى تتمكن من أتخاذ مايلزم من اجراءات تكفل حماية النظام العام . مثال ذلك الاخطار عن تنظيم اجتماع عام . ففي هذه الحالة لايكون الاجتماع محظوراً وليس من الضروري الحصول على إذن مسبق . 

4- تنظيم النشاط :

قد لاتتضمن أنظمة الضبط على حظر نشاط معين أو اشتراط الحصول على إذن مسبق او الاخطار عنه . وأنما قد تكتفي بتنظيم النشاط الفردي وكيفية ممارسته كما لو تم تحديد سرعة المركبات في الطرق العامة أو تحديد أماكن وقوفها


ثانياً : أوامر الضبط الاداري الفردية .



قد تلجأ الادارة الى أصدار قرارات ادارية أو أوامر فردية لتطبق على فرد أوفراد معينين بذواتهم .وقد تتظمن هذه القرارات أوامر بالقيام باعمال معينة أو نواهي بالمتناع عن أعمال اخرى . مثال ذالك الاوامر الصادرة بمنع عقد اجتماع عام أو الامر الصادر بهدم منزل آيل للسقوط أو القرار الصادر بمصادرة كتاب أو صحيفة معينة . والاصل أنه يجب ان تستند هذه القرارات الى القوانين واللوائح ( الانظمة ) فتكون تنفيذاً لها . الا انه أستثناء من ذالك قد تصدر القرارات الادارية دون أن تكون مستندة الى قانون أو لائحة تنظيمية عامة . فاللائحة أو التشريع لايمكن أن ينصا على جميع التوقعات أو التنبؤات التي قد تحث . كما أن مفهوم النظام العام متغير , فأذا ظهر تهديداً او اخلال لم يكن التشريع او اللائحة قد توقعاه فان طلب ان يكون القرار الفردي مستندا الى قاعدة تنظيمية يؤدي الى تجريد سلطة الضبط من فاعليتها . (16)



ثالثا : التنفيذ الجبري 





قد تستخدم الادارة القوة المادية لاجبار الفرد على تنفيذ القوانين واللوائح والقرارت الادارية لمنع الاخلال بالنظام العام , وتعد هذه الوسيلة اكثر وسائل الضبط شدة وعنفا باعتبارها تستخدم القوة الجبرية ولا يخفى ما لذلك من خطورة على حقوق الافراد وحرياتهم . 

ويعد التنفيذ الجبري لقرارات الضبط الاداري احد تطبيقات نظرية التنفيذ المباشر للقرارت الادارية , واستنادا لذلك لا يتم الحصول على اذن سابق من السلطات القضائية لتنفيذه , الا انه يجب ان تتوافر فيه ذات شروط التنفيذ المباشر . 

ومن الحالات التي يمكن فيها اللجوء الى التنفيذ الجبري ان يبيح القانون او اللوائح استعمال هذا الحق , او يرفض الافراد تنفيذ القوانين واللوائح ولا يوجد اسلوب اخر لحمل الافراد على احترام القوانين واللوائح غير التنفيذ الجبري , كما يتم اللجوء الى هذا الاسلوب في حالة الضرورة . (17) 

ويشترط في جميع الحالات ان يكون استخدام القوة المادية متناسبا مع جسامة الخطر الذي من الممكن ان يتعرض له النظام العام . 

ويجب التنوية اخيرا بان استخدام القوة المادية لا يعني حتما مجازاة الافراد عن افعال جرمية ارتكبوها , وانما يقصد بالقوة المادية تلك القوة المستخدمة لمنع وقوع أي اخلال بالنظام العام بعناصره الثلاثة . (18) 


[b] المبحث الثالث [/b]



رقابة القضاء الاداري على سلطات الضبط الاداري 



من الضروري وضع حدود لاختصاصات الادارة في ممارساتها لسلطات الضبط الاداري يتم من خلال الموازنة بين متطلبات النظام العام وضمان حقوق وحريات الافراد ، وقد درجت احكام القضاء الاداري على منح الادارة حرية واسعة في ممارسة سلطات الضبط الاداري ، غير انها اخضعتها في ذلك لرقابة القضاء الاداري من نواح عدة .

وفي هذا المجال نبين حدود سلطات الضبط الاداري في الاوقات العادية ثم نعرض لحدود هذه السلطة في الظروف الاستثنائية .



المطلب الاول : رقابة القضاء في الظروف العادية 



تخضع سلطة الضبط الاداري في الظروف العادية لمبدا المشروعية الذي يستدعي ان تكون الادارة خاضعه في جميع تصرفاتها للقانون ، والاكانت تصرفاتها وما تتخذه من قرارات باطلا غير مشروعا . وتتمثل رقابة القضاء على سلطات الادارة في هذه الظروف فيما يلي :



اولا : الرقابة على الهدف 





يجب ان تتقيد الادارة بالهدف الذي من اجله قرر المشرع منح هيئات الضبط هذه السلطات ، فليس للادرة تخطي هذا الهدف سواء كان عاما ام خاصا ، فاذا استخدمت سلطتها في تحقيق اغراض بعيده عن حماية النظام العام . او سعت الى تحقيق مصلحة عامة لاتدخل ضمن اغراض الضبط التي قصدها المشرع فان ذلك يعد انحرافا بالسلطة ويخضع قرار الادارة لرقابة القضاء المختص .



ثانيا : الرقابة على السبب 





يقصد بسبب الضبط الاداري الظروف الخارجية التي دفعت الادارة الى التدخل واصدار قرارها ، ولايعد تدخل الادارة مشروعا الا اذا كان مبنيا على اسباب صحيحة وجدية من شانها ان تخل بالنظام العام بعناصره الثلاثة الامن العام والصحة العامة والسكنية العامة . وقد بسط القضاء الاداري رقابته على سبب قرار الضبط مثلما هو الحال في القرارات الادارية الاخرى وكما استقر عليه القضاء في فرنسا ومصر والعراق .









ثالثا : الرقابة على الوسائل 





يجب ان تكون الوسائل التي استخدمتها سلطات وهيئات الضبط الاداري مشروعه ، ومن القيود التي استقر القضاء على ضرورة اتباعها في استخدام الادارة لوسائل الضبط الاداري انه لايجوز ان يترتب على استعمال هذه الوسائل تعطيل الحريات العامة بشكل مطلق لان ذلك يعد الغاء لهذه الحريات ، فالحفاظ على النظام العام لايستلزم غالبا هذا الالغاء وانما يكتفي بتقييدها . ومن ثم يجب ان يكون الحظر نسبيا ، أي ان يكون قاصرا على زمان اومكان معيينين . وعلى ذلك تكون القرارات الادارية التي تصدرها سلطة الضبط الاداري بمنع ممارسة نشاط عام منعا عاما ومطلقا غير مشروعة .( 19 )



رابعا : رقابة الملائمة 



لايكفي ان يكون قرار الضبط الاداري جائزا قانونا او انه قد صدر بناء على اسباب جدية ، انما تتسع رقابة القضاء لبحث مدى اختيار الادارة الوسيلة الملائمة للتدخل ، فيجب ان لاتلجا الى استخدام وسائل قاسية او لاتتلائم مع خطورة الظروف التي صدر فيها .

ومن الضروري ان نبين ان سلطة القضاء في الرقابة على الملائمة هي استثناء على القاعدة العامة في الرقابة على اعمال الادارة فالاصل هو استقلال الادارة في تقدير ملائمة قراراتها ، لكن بالنظر لخطورة قرارات الضبط على الحقوق والحريات فان القضاء يبسط رقابته على الملائمة . (20) 

وفي هذا المجال لايجوز مثلا لرجال الامن ان يستخدموا اطلاق النار لتفريق تظاهرة في الوقت الذي كان استخدام الغاز المسيل للدموع او خراطيم المياه كافيا لتحقيق هذا الغرض .



المطلب الثاني : رقابة القضاء في الظروف الاستثنائية 





قد تطرا ظروف استثنائية تهدد سلامة الدولة كالحروب والكوارث الطبيعية ، وتجعلها عاجزة عن توفير وحماية النظام العام باستخدام القواعد والاجراءات السابق بيانها . وفي هذه الحالة لابد ان تتسع سلطات هيئات الضبط لمواجهة هذه الظروف من خلال تمكينها من اتخاذ اجراءات سريعه وحازمة لمواجهة الظرف الاستثنائي .

على ان الظرف الاستثنائي ايا كانت صورته حربا او او كوارث طبيعية لايجعل الادارة في مناى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو ان يكون الامر توسعا لقواعد المشروعية ، فالادارة تبقى مسؤولة في الظروف الاستثنائية على اساس الخطأ الذي وقع منها ، غير ان الخطا في حالة الظروف الاستثنائية يقاس بميزان اخر غير ذلك الذي يقاس به الخطا في الظروف العادية . 







اولا : التنظيم القانوني لسلطة الضبط في الظروف الاستثنائية . 



حيث ان نظام الظروف الاستثنائية من شانه المماس المباشر بحقوق وحريات الافراد التي يكفلها الدستور ، فلابد ان يتدخل المشرع بتحديد ما اذا كان الظرف استثنائيا او لا ، ويتم ذلك باتباع اسلوبين : الاول ان تصدر قوانين تنظم السلطات الادارة في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها ، ويتسم هذا الاسلوب بحماية حقوق الافراد وحرياتهم لانه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء الى سلطات الظروف الاستثنائية الابعد موافقة السلطة التشريعية ، ويعيبه ان هناك من الظروف الاستثنائية مايقع بشكل مفاجىء لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالاجراءات الطويلة المعتادة ( 21) ، بينما يتمخض الاسلوب الثاني عن وجود قوانين منظمة سلفا لمعاجة الظروف الاستثنائية قبل قيامها ويرخص الدستور للسلطة التنفيذية باعلان حالة الظروف الاستثنائية والعمل بمقتضى هذا القوانين . 

ولا يخفى ما لهذا الاسلوب من عيوب تتمثل في احتمال اساءة الادارة سلطتها في اعلان حالة الظروف الاستثنائية في غير اوقاتها للاستفادة مما يمنحه لها المشرع من صلاحيات في تقييد الحريات الافراد وحقوقهم.

وقد اخذ المشرع الفرنسي بالاسلوب الاخير اذا منحت المادة السادسة عشرة من دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958 رئيس الجمهورية الفرنسية سلطات واسعة ، كذلك فعل المشرع العراقي عندما اصدر قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 وتعديلاته . (22) وامر قانون الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004 . 



ثانيا : حالات اعلان حالة الطوارىء 



لايجوز اعلان حالة الطوارىء الا في حالات معينة يتعرض فيها الامن والنظام العام للخطر في جميع ارجاء الدولة او في جزء منها . وقد حدد المشرع العراقي هذه الحالات في قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 فيما يلي :

1-اذا حدث خطر من غارة عدائية او اعلنت الحرب او قامت حالة حرب او اية حالة تهدد بوقوعها . 

2-اذا حدث اضطراب خطير في الامن العام اوتهديد خطير له .

3-اذا حدث وباء عام او كارثة عامة . 



في حين خول امر قانون الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004 رئيس الوزراء بعد موافقة هيئة الرئاسة بالاجماع اعلان حالة الطوارىء في اية منطقة من العراق عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الافراد في حياتهم ، وناشىء من حمله مستمرة للعنف ، من أي عدد من الاشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق او تعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين او أي غرض اخر. (23) 
ثالثا : النتائج المترتبة على اعلان حالة الطوارىء 





يترتب على اعلان حالة الطوارىء مجموعة من الاثار وقد حددت المادة الثالثة من امر قانون الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004 والتي تفضي الى منح الادارة اختصاصات استثنائية مقيد للحرية اهمها مايلي :

1-توقف وتفتيش الافراد دون استحصال مذكرة قضائية 

2-وضع قيود على حرية المواطنين او الاجانب في السفر والانتقال والتجول والتجمع والمرور من والى العراق وحمل او استخدام الاسلحة والذخائر والمواد الخطره .

3-احتجاز المشتبه بسلوكهم وتفتيش منازلهم واماكن عملهم . 

4- فرض حضر التجوال لفترة محدده على المنطقة التي تشهد تهديدا خطيرا على الامن او تشهد تفجيرات او اضطرابات وعمليات مسلحة معادية واسعه .

5-فرض قيود على الاموال وعلى حيازة الاشياء الممنوعة ووضع الحجز الاحتياطي على اموال المتهمين بالتامر والتمرد والعصيان المسلح والاضطرابات المسلحة وعمليات الاغتيال والتفجير ، وعلى اموال من يشترك او يتعاون معهم باية كيفيه . 

6-اتخاذ اجراءات احترازية على الطرود والرسائل والبرقيات ووسائل واجهزة الاتصال السلكية والاسلكية كافة . ويمكن فرض المراقبه على هذه الوسائل وتفتيشها وضبطها . 

7-فرض قيود على وسائل النقل والمواصلات البريدية والجوية والمائية في مناطق محدده لفترة محدده .

8-فرض قيود على المحال العامة والتجارية والنوادي والجمعيات والنقابات والشركات والمؤسسات والدوائر من حيث تحديد مواعيد فتحها وغلقها ومراقبة اعمالها ووضعها تحت الحراسة وحلها وايقافها مؤقتا .

9- ايقاف العمل مؤقتا او بصوره دائمية باجازات الاسلحة والذخيرة والمواد الخطيرة والمفرقعة والمتفجرة وحيازتها او الاتجار بها .

ومن المهم القول ان حالة الطوارىء تعلن بامر يتضمن الحالة التي اعلنت حالة الطوارىء بسببها ، وتحديد المنطقة التي تشملها ، وتحديد بدء سريانها ومدتها على ان لاتمتد اكثر من (60 ) ستين يوما اوتنتهي بعد زوال الخطر او الظرف الذي استدعى قيامهااو ايهما اقل .

ويجوز تمديد حالة الطوارىء بصورة دورية كل ثلاثين يوما ببيان تحريري من رئيس الوزراء وهيئة الرئاسة اذا استدعت الضرورة ذلك وينتهي العمل بها تلقائيا اذا لم تمدد تحريريا في نهاية اية فترة تمديد . (24) 









رابعا : الرقابة القضائية على سلطات الضبط في الظروف الاستثنائية .



يمارس القضاء الاداري دورا مهما في الرقابة على سلطات الادارة في الظروف الاستثنائية مع ان هذه السلطات تتسع بشكل كبير لمواجهة ما يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة فقد وضع القضاء الاداري في فرنسا ومصر حدودا لسلطات الضبط الاداري في ظل الظروف الاستثنائية ، حتى لاتتعسف الادارة في استعمال سلطاتها تلك او تنتهك حقوق وحريات الافراد . (25) 

وفي هذا المجال لايجوز ان تستخدم الادارة سلطاتها الاستثنائية دون ضابط ، كما ان التوسع في استخدام سلطات الضبط الاداري يجب ان يكون بالقدر اللازم لمواجهة خطورة الظرف الاستثنائي وان تتحدد ممارسة هذه السلطات بمدة الظرف الاستثنائي ولا يجوز ان تستمر فيه لمدة تزيد عن ذلك .

فالقاضي يراقب في هذه الظروف قرارات الادارة من حيث اسبابها والغاية التي ترمى اليها من اتخاذها ولايتجاوز في رقابته الى العيوب الاخرى – الاختصاص والشكل والمحل – وهو ما استقر عليه القضاء الاداري في العديد من الدول . (26) 

وعلى ذلك فان الظرف الاستثنائي ايا كانت صورته حربا او كوارث طبيعية لايجعل الادارة في مناى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو الامر ان يكون توسعا لقواعد المشروعية . تاسيسا على مقولة

” الضرورات تبيح المحظورات“ . ( 27 ) 

واذا لم تسنح الفرصة للقضاء الاداري العراقي لتحديد معالم نظرية الظروف الاستثنائية ، فان احكام القضاء الاداري في فرنسا ومصر قد قطعت شوطا كبيرا في ذلك ، ووضعت شروط الاستفادة من هذه النظرية وبسطت الرقابة على الادارة في استخدام صلاحياتها الاستثنائية حماية لحقوق الافراد وحرياتهم ،وهذه الشروط هي :

1- وجود ظرف استثنائي يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة سواء تمثل هذا الظرف بقيام حرب او اضطراب او كارثة طبيعية .

2- ان تعجز الادارة عن اداء وظيفتها باستخدام سلطتها في الظروف العادية فتلجا لاستخدام سلطتها الاستثنائية التي توفرها هذه النظرية .

3- ان تحدد ممارسة السلطة الاستثنائية بمدة الظرف الاستثنائي فلايجوز للادرة ان تستمر في الاستفاده من المشروعية الاستثنائية مدة تزيد على مدة الظرف الاستثنائي . (28) 

4- ان يكون الاجراء المتخذ متوازنا مع خطورة الظرف الاستثنائي وفي حدود مايقتضيه . 

وللقضاء الاداري دور مهم في الرقابة على احترام الادارة لهذه الشروط وهو مايميز هذه النظرية عن نظرية اعمال السيادة التي تعد خروجا على مبدا المشروعية ويمنع القضاء من الرقابة على الاعمال الصادرة استنادا اليها . 
الخاتمة



استعرضنا في هذا البحث الموجز دور القضاء الاداري في حماية الحقوق والحريات وتطرقنا فيه الى نشاط السلطة الادارية – او الادارة – في تقييد هذه الحقوق والحريات من خلال اصدارها لقرارات الضبط الاداري وخلصنا من البحث الى النتائج التالية : 

1- ان مما لا شك فيه ان مبدأ المشروعية وسيادة القانون هو العلامة المميزة للدولة القانونية وهو الضمانة الاساسية للحقوق والحريات العامة , والقاضي الاداري هو مفتاح الالتزام بسيادة القانون وتحقيق سيادة القانون بمعناها الواسع الذي يتجاوز مجرد احترام القانون , بل يمتد الى مضمون القانون ذاته من حيث وجوب حمايته لحقوق الانسان , فاذا عجز القانون عن توفير هذه الحماية لم يعد جديراً بان تكون له السيادة . 

ويساهم القضاء الاداري بهذه المهمة بحكم استقلاله وتخصصه ولانه اقدر على التعامل مع السلطة العامة ممثلة بالادارة خاصة بعد تشعب وتنوع وظائفها وازدياد احتكاكها بالافراد . 

2- من الضروري دعم استقلال القضاء الاداري العراقي لان استقلال القضاء عنصراً هاماً في شرف القضاء واعتباره وبدوره يفقد النظام القضائي فعاليته في حماية الحقوق والحريات . 

3- من الضروري تفعيل نظام القضاء الاداري العراقي من خلال : 

一. الغاء الاستثناءات الواردة على ولاية محكمة القضاء الاداري بالغاء القرارات الادارية والمراسيم الصادرة من رئيس الجمهورية او تنفيذاً لتوجيهاته واعتبار القضاء الاداري صاحب الولاية العامة في نظر طلبات الافراد في الغاء القرارات الادارية لما في بقاء هذه الاستثناءات من تجاوز على مبدأ المشروعية وضرورة خضوع الادارة للقانون , ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم . 

二. كفالة ديمقراطية الالتجاء الى القضاء لا من خلال مجرد الاقرار بحق التقاضي للجميع بغير قيود او استثناءات وانما يتعين فوق ذلك تقريب جهات القضاء للمتقاضين , وهو ما يتطلب اعادة النظر في الخريطة القضائية وانشاء محاكم اخرى للقضاء الاداري في مختلف انحاء العراق وعدم الاكتفاء بمحكمة واحدة في العاصمة . 

4- ايجاد نظم جديدة لتحقيق العدالة واحترام حقوق وحريات الافراد خارج النظام القضائي مثل نظام " الامبودسمان " او المفوض البرلماني او لجان حقوق الانسان , لما في ذلك من تخفيف عن كاهل القضاء وتمكين الافراد من الوصول الى حقوقهم من خلال طرق بديلة للطرق العادية في التقاضي . 
المصادر



1- H.W.R wade . Aministrative law 1967 p . 11 . 

2- د. صبيح بشير مسكوني – القضاء الاداري – منشورات جامعة بنغازي – 1974 ص 81 . 

3- د. محمود محمد حافظ – القضاء الاداري في القانون المصري والمقارن – دار النهضة العربية ط1 1993 , ص 14 . 

4- د. مازن ليلو راضي – الوجيز في القضاء الاداري الليبي – دار المطبوعات الجامعية 2003 ص 7 . 

5- د. عادل سيد فهيم – القوة التنفيذية للقرار الاداري – الدار القومية للطباعة والنشر – دون سنة طبعه – ص 103 . 

6- د. محمود محمد حافظ – المصدر السابق – ص 14 . 

7- د. عبد المنعم محفوظ – علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها – المجلد الاول والثاني ط2 – دار الهناء للطباعة – القاهرة ص 16 . 

8- د. محمد علي سليمان – القضاء اليمني من عموم الولاية الى التخصص في الرقابة على اعمال الادارة – بحث منشور في اعمال المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة ص 15 .

9- د. عبد المنعم محفوظ – علاقة الفرد بالسلطة – المصدر السابق ص16 . 

10- المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 . 

11- De laubadere . Trait de droit adminstrative - 1984 p.505 .

12- د. طعيمة الجرف – القانون الاداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط السلطات الادارية – دار النهضة العربية 1978 ص 471 . 

13- د. صبيح بشير مسكوني – القضاء الاداري – المصدر السابق ص 87 . 

14- د. عبد الغني بسيوني – القانون الاداري – منشأة المعارف 1991 – ص379 .

15- د. سامي جمال الدين – اللوائح الادارية – منشاة المعارف – الاسكندرية 1984 – ص308 . 

16- د. شوقي شحاته – مبادئ القانون الاداري – القاهرة – دار النشر بالجامعات المصرية – ج1 – 1955 ص 343 وما بعدها . 

17- ينظر:

د . عبد الغني بسيوني – القانون الاداري – المصدر السابق – ص 287.

د . عاشور سليمان صالح – مسؤولية عن اعمال وقرارات الضبط الاداري . جامعة قاريونس 

1997 – ص179 .

18- محمد مختار عثمان – المبادىء والاحكام للاادارة الشعبية بالجماهير – بنغازي- ص 556.

19- د. عبد الغني بسيوني – المصدر السابق-ص931. 

20- د. محمود أبو السعود حبيب – القانون الاداري – ص386.

21- صبيح بشير مسكوني – القضاء الاداري – المصدر السابق-ص71.

22- نشر في الوقائع الادارية بالعدد 1071 في 6/2/1965

23- المادة (1) من أمر قانون الدفاع عن السلامه الوطنية رقم (1) لسنة 2004

24- المادة الثانية من امر قانون الدفاع .

25- للمزيد ينظر :

د. احمد مدحت علي – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة –1978 – ص129. 

26- عبد القادر باينه – القضاء الاداري الاسس العامة والتطور التاريخي دار توبقال المغرب – ص 28.

27- د. مازن ليلو راضي – المصدر السابق – ص24. 

28- د. احمد مدحت علي – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة – 1978 – ص192

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق