الأحد، 3 يونيو 2012

الاستملاك والتملك والحيازة والاستيلاء

الاستملاك والتملك والحيازة والاستيلاء
علي الديري:
حين جاءت الإصلاحات الإدارية البريطانية في 1923 بالبيروقراطية، التي هي بحسب عالم 
الاجتماع ماكس فيبر ‘’تنظيم يؤمن الدقة والسرعة والثبات وسهولة الوصول إلى السجلات 
والاستمرارية والسرية الممكنة والوحدة والتعاون الشديد والحد من أسباب الاحتكاك 
وتقليل النفقات وعدد الموظفين’’. [1]
كانت إدارة الطابو أول إدارة تم تأسيسها وفق النظام البيروقراطي، وقد سميت في 1970 
إدارة التسجيل العقاري والطابو كلمة تركية تعني وثيقة الملكية. لقد أدركت 
البيروقراطية أن الأرض هي ميدان تحركها الأول، لن تكون هناك دولة مركزية ذات سلطة 
مطلقة ما لم يكن للأرض التي تحكمها وتقف عليها سجل يثبّت ويُعرّف ويرسم وينظم 
ملكيتها. ونحن هنا مدينون للكفاءات الهندسية الهندية التي أسست هذه الدائرة بمهنية 
فائقة الحرفية.
كانت البيروقراطية تريد لجسد الدولة أن يستمد قوته من القانون لا من القبيلة. لذلك 
واجهت البيروقراطية البريطانية وإصلاحاتها الإدارية مهمة شاقة، وهي تنظيم هذا الجسد 
تنظيماً يؤمن الدقة والسرعة والثبات والتعاون والسرية والوحدة. وهذا يعني أن يخضع 
هذا الجسد لقانون عام يكون بمثابة القوة التي تدير هذا الجسد الذي تتناهبه قوى 
المجالس القبلية، بأعرافها. [2]
هيبة الدولة
الأراضي هي ميدان تجسد الدولة وهيبتها وقوتها وإدارتها وسلطتها، الأرض هي أول ما 
يُضرب في الدولة، تضربه الدولة المعتدية، وتضربه القوى التي تريد أن تكون فوق 
الدولة. والأراضي اليوم وشوارعها هي ميدان اختبار حقيقي للدولة وهيبتها، وإذا لم 
تستطع أن تثبت الدولة (وليس القوى التي في الدولة) وجودها في هذا الميدان ستعرض 
مصداقيتها لحجب الثقة، وإذا حجبت الثقة من الدولة، فلا يمكن أن نستبدلها بوزير 
جديد، لأن الدولة ليست وزارة.
منذ دخلنا عصر البيروقراطية والإدارة المركزية للدولة، عبر المسح العمومي الذي 
بدأته في 1926 مع تأسيس إدارة الطابو في 1924 ثم تحولها إلى إدارة التسجيل العقاري 
وأخيرا إلى جهاز المساحة والتسجيل العقاري، نظّمت عملية الاستملاك والحيازة والملك 
والاستيلاء، عبر ما شرعته من إعلانات وقرارات وقوانين ومراسيم وأوامر.
لكنها فعلت ذلك عبر الناس المتنفذين فيها، أكثر مما فعلته عبر جهاز بيروقراطيتها 
الذي لا يعرف الأشخاص إلا كمواطنين ينتمون إلى أرض جسدها واحد، تديره سلطة واحدة.
علامة الجودة
وهذا ما جعل قوانين البيروقراطية تحقق النظام لكنها لم تحقق العدل. وهذا ما جعل 
أيضاً من استملاك الأراضي (بالمعنى العام، وليس بمعنى المنفعة العامة) محنة، الأمر 
الذي تسبب في جعل فكرة الدولة محنة أيضا. ولا نبالغ إذا ما قلنا إن الدولة تظهر 
قوتها التنظيمية المتجاوزة للناس بقدر ما يتوفر نظامها في استملاك الأراضي على قدر 
عال من الاستقلال عن الأشخاص المتنفذين.
لقد ظلت الضيع والقطع والإقطاعيات والأراضي والمزارع التي تمنح للمتنفذين في 
الدولة، في أي دولة كانت علامة على الفساد، فساد الدولة وانعدام عدالتها.
وربما تكون هذه العلامة أكثر وضوحا في الدول الأصغر مساحة، فالفساد يظل يتجسد 
مقروناً دوماً عندنا بشواهد من الاستيلاء غير العادل على الأراضي.
أربع طرق للأرض
ليس هناك أرض واحدة، هناك أراض مختلفة، ولكل أرض حالتها الخاصة، وتاريخها الخاص، 
ونظام التسمية الذي نطلقه على الأراضي، هو جزء من تاريخ الأرض وعلاقة الناس بالأرض 
وعلاقتهم ببعضهم فوق هذه الأرض.
هناك أربعة مصطلحات متشابكة تدل على الطريقة التي نمتلك فيها أرضاً، وكل مصطلح من 
هذه المصطلحات يحمل في مدلوله شيئاً من تاريخ الأراضي في البحرين وحالاتها، وهذه 
المصطلحات، هي: الاستملاك والاستيلاء، والحيازة، والمُلك.
الاستملاك
الاستملاك: وهو نزع ملكية الأرض لمصلحة المستملك وعادة هو الدولة وتمثلها في ذلك 
وزارة الإسكان، بقصد تأمين متطلبات المشاريع ذات المنفعة العامة، وتنظم عملية 
الاستملاك في البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 8 لسنة ,1970 بشأن استملاك الأراضي 
للمنفعة العامة. [3]
(عادة هو الدولة) هناك إذاً ما يخالف هذه العادة، وهناك ما يلتبس مع هذه العادة، 
والالتباس ناشئ من أن الدولة لا تحيل على ما هو فوق الناس، بل تحيل في سياقنا 
البحريني إلى الناس الذين عادة يتنفذون في الدولة، فتكون دولتهم. الدولة عندنا تحيل 
إلى الوزراء والحكومة والمسؤولين وكبار الشخصيات والمتنفذين، إنها لا تحيل إلى فكرة 
ولا إلى حالة ولا إلى نظام بل إلى شخص.
الاستيلاء
الاستيلاء: هو وضع اليد على الشيء، والتمكن منه والغلبة عليه، وهو أحد أسباب كسب 
الملكية. ويعرف بأنه كسب الملكية ابتداء، فمن وضع يده على منقول مباح بنية تملكه 
ملكه، لذا فإن القانون المدني البحريني استبعد الاستيلاء كسبب من أسباب التملك 
العقاري، حيث اقتصر الاستيلاء على المنقول من دون الثابت كالعقار، كما جعل كل عقار 
لا مالك له ملكاً للدولة. [4]
دولة البحرين في القانون معرفة تعريفاً لا لبس فيه ‘’يشمل إقليم دولة البحرين 
وجزرها والمياه الإقليمية، والجرف القاري، وأية منطقة أو المناطق الاقتصادية 
الخالصة، وأية أراض أخرى، والمجال الجوي، والبحار التي تمارس دولة البحرين سيادتها 
أو تتمتع بحقوق السيادة عليه وفقا لأحكام القانون الدولي’’ وهو تعريف لا التباس 
فيها من حيث الصياغة القانونية، لكن الدولة بحكم الواقع ليست معرفة تعريفاً لا 
التباس فيه، بل فيه التباس واشتباه، فالدولة ليس ما يحيل إليه القانون بل ما يحيل 
إليه مالك سلطة تنفيذ القانون.
لذلك فيمكننا أن نقرأ (القانون المدني البحريني استبعد الاستيلاء كسبب من أسباب 
التملك العقاري). بمعنى أنه استبعد الذين لا يملكون سلطة تنفيذ القانون، هؤلاء لا 
يمكنهم أن يستولوا، أي لا يمكنهم أن يملكوا أرضا بالاستيلاء، فالاستيلاء لابد أن 
يكون بالقانون ومن يستولي يستولي باسم القانون والدولة.
بل إن القانون أو المحاكم التي تملك تفسير القانون وتطبيق حالاته، سيشرع قوانين 
تلغي وثائق ملكية من أجل أن يُمكّن من يلتبسون بفكرة الدولة من أن يستولوا على ما 
يريدون. لدينا مثال حكم محكمة التمييز الذي يقول (لا وقف إلا بملكية). بهذا الحكم 
تمت مصادرة أراض وقفية غير مسجلة، وغير المسجلة تعني في عرف القانون ليس لها ملكية، 
فتؤول ملكيتها للدولة، لكن أي دولة، الدولة التي يعرفها القانون بوضح لا لبس فيه، 
أم الدولة التي هي جيش من المتنفذين.
نص مرسوم بقانون رقم (24) لسنة2001 بشأن التصرف في الأراضي التي تعتبر من أملاك 
الدولة، يقول ‘’في تطبيق أحكام هذا القانون يعتبر من أملاك الدولة جميع الأراضي 
التي ليس لها مالك بموجب وثيقة ملكية أو بحكم قضائي. باستثناء الهبات التي يقررها 
أمير البلاد، لا يجوز التصرف في الأراضي المشار إليها في الفقرة السابقة إلا بأمر 
من الأمير’’.
لقد جاء هذا القانون ليقاوم جيش المتنفذين من الاستيلاء على الأراضي باسم الدولة، 
لكنه لن يلغي تاريخ الأراضي التي استولوا عليها بالفعل طوال الثلاثين سنة الماضية 
أو أكثر. كما أنه لن يوقف المتسللين الذي يعرفون حيل الطرق الفرعية وشرعيتها.
الحيازة
الحيازة: هي وضع اليد على الشيء والسيطرة عليه سيطرة فعلية، والانتفاع به واستغلاله 
بكافة الوجوه المادية القابل لها، سواء استندت إلى هذه السيطرة على حق من الحقوق أو 
لم تستند، وإذا استمر الحائز واضعاً يده المدة المقررة قانوناً فإن ذلك مما يؤدي 
إلى اكتساب الملكية بوضع اليد. [5]
قانون الحيازة لا يفرق بين اليد التي تستند إلى حق وذاكرة مشتركة مع مكان الأرض، 
وبين اليد التي تستند إلى قوة من غير ذاكرة. لذلك فالحيازة وإن شرعها القانون بحكم 
الواقع، لكنها ستبقى قانوناً عدالته عمياء.
الملك
الملك: في اللغة هو احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به والتصرف بانفراد، وفي 
اصطلاح الفقهاء هو الحيازة، ومن أساس الملك الاختصاص والمنع والتعامل، وتقسم أسباب 
الملك إلى ثلاثة أنواع، الأول وهو الابتداء وهو الاستيلاء والثاني نقل للملك بعد 
ثبوته مثل البيع، والنوع الثالث مبق للملك على الورثة والموصي له. [6]
مهما تعددت الطرق، فكلها توصل في النهاية للتملك، حيث تستقر الأرض على أي تاريخ 
كان، سواء كان على تاريخ اليد والقوة والاستيلاء والفتح أو على تاريخ الذاكرة.
يصف أحد الخبراء الاقتصاديين والسياسيين تاريخ الملكية في تجربة أراضي بالسر 
الكبير، ولعل في هذا الوصف ما يلخص عنوان هذه المقالة: الطرق إلى الأراضي بأنفاس: 
الاستملاك والتملك والحيازة والاستيلاء، يقول ‘’التجربة تقول بأن موضوع ملكية 
وتوزيع الأراضي سر كبير لا تود السلطة «أي سلطة» فتح ملفاته لأنه يكشف كيف انتهت كل 
الأراضي والبحار من ملكية الدولة إلى ملكية مجموعة قليلة من الأفراد استغلوا 
مواقعهم لأخذ حصة كبيرة من الأرض فيما ينتظر عشرات الآلاف من المواطنين في طوابير 
انتظار تعدت الخمسة عشر عاما علهم يحصلون على أرض ومنزل لا تتجاوز مساحته 300 متر 
مربع’’.
الهوامش:
[1] القبيلة والدولة، فؤاد خوري، ص.133
[2] تقبيل المجلس، على الديري، صحيفة الوقت، 17 مايو.2007
[3]، [4]، [5]، [6]، معجم التعمير والخرائط والوثائق العقارية البحرينية، مناف 
حمزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق