الأحد، 3 يونيو 2012

مقدمة

بدأت الأمم المتحدة بمصافحات أيدٍ، تحدوها آمالٌ عِراضٌ في تحقيق الحلم، الذي طالما راود المجتمع الدولي، بالاتحاد لمنع الحروب، وحل مشكلات العالم بطريقة سلمية. إلا أنه، وبعد مرور ما يزيد عن نصف قرن على إنشاء المنظمة الدولية، بدا أن هناك تبايناً كبيراً في وجهات النظر، حول ما آلت إليه هذه المنظمة، وفي مدى نجاحها في تحقيق الهدف، الذي قامت من أجله.

عديد من الآراء، ترى أن الأمم المتحدة، ما هي إلا رجل البوليس المكلف، بتحقيق السلم والأمن العالميين. غير أنها لم تكن مؤثرة، في هذا السياق، على الدوام. وجهات نظر أخرى تُبَوِّئُ الأمم المتحدة منزلة الحكومة العالمية، التي تتدخل، في كثير من الأحيان، في شؤون حكومات الدول الأعضاء، بما قد يعقد الأمور أحياناً. إلا أن كثيراً من المحللين السياسيين، يرون أن الأمم المتحدة، تقوم بدورها الحقيقي، بوصفها منظمة عالمية تنشر السلام، وتقوم بحل النزاعات بطريقة سلمية.

وعلى الرغم من كل هذا التباين، وكل هذه الانتقادات، صارت الأمم المتحدة، في عصرنا هذا، واقعاً مرئياً يقتحم علينا عالمنا السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، واقعاً صامداً بين عالم مليء بالمتناقضات السياسية، وتعدد القوى والمصالح والأهواء. ومن بين نجاح وفشل، وتقارب وتباعد وتجاذب وتنافر، اتفق العالم، بكل تكتلاته السياسية، وأهوائه، وأيديولوجياته الفكرية، على ضرورة بقاء الأمم المتحدة، إن لم تكن بوصفها أداة حسم في إيقاف الحروب الدامية، وفض الاشتباكات، وحل المنازعات، فبوصفها رمزاً للأمل، وللسلام القائم على العدل، ولنصرة المغلوب على أمره، وصوتاً يعلو فوق صوت أسلحة الدمار.[hr]f-law2
06-25-2007, 09:53 PM

ميلاد هيئة الأمم المتحدة

أولاً: الأمم المتحدة "مدخل تاريخي":

يعجب الناظر في تاريخ العلاقات الدولية من كثرة الحروب، التي نَشِبَتْ بين الدول. هذه الحروب التي جلبت الموت، والخراب، والدمار، على ملايين البشر، على مدى عصور متطاولة. ويشتد العجب حينما نجد المنتصر، في زهوه وخيلائه، يتفاخر بالدمار الذي أوقعه بعدوه المنهزم، ويزهو بأَنْ دمر آلته العسكرية، وحطم منازل الأبرياء، وانتهك دور العبادة، ومناهل الثقافة. ويحتار الدارس، حين يجد أن معظم هذه الحروب، كان من الممكن تفاديها، والحيلولة دونها، بالحلول السلمية التي تكفل الكرامة لكل جانب. لماذا، إذن، حاربت الدول بعضها بعضاً؟ الإجابة تكمن في تضارب المصالح، بين القوى المتحاربة، وتباين وجهات نظرها في تفسير الأحداث، وعدم السعي إلى تفاهم عادل، بدلاً من دق طبول الحرب.

وكان المفكرون، والفلاسفة، والمُحَنَّكُون، من الساسة، من أمثال: بيير ديبوا، ودانتي، وايراسموس، وكروشيه، أول من نادى بتكوين هيئة عالمية، تعرض فيها الدول وجهات نظرها في النزاع، بطريقة سلمية متحضرة، وعلى أساسٍ من احترام القانون. على أن يتضمن الرجوع إليها تعهداً بالخضوع لحكمها، على أي وجه كان. ويذكر التاريخ للمفكرين المسلمين، الفارابي، والكواكبي، دعوتيهما إلى فكرة تجميع شعوب العالم كله، تحت قيادة واحدة، ولا بأس أن تكون هذه القيادة على هيئة رئاسة جماعية.

وفي الواقع، بدأت دول العالم تأخذ خطوات حثيثة، لإيجاد صيغ للتعاون فيما بينها، منذ أمد بعيد. ففي القرن التاسع عشر، أقيمت المؤتمرات العالمية، لفض النزاعات، وللاتفاق على صيغة، تنظم المصالح الدولية المتعارضة. وبناءً على توصيات هذه المؤتمرات، أنشئت عديد من الاتحادات الدولية، مثل: اتحاد التلغراف الدولي (اتفاقية باريس في 17 مايو 1865)، واتحاد البريد العام (اتفاقية برلين في 10 أكتوبر 1874)، والاتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية (اتفاقية برن في 9 سبتمبر 1886)، وهيئة الإذاعة الدولية (اتفاقية روما في 7 يونيه 1903)، والاتحاد الدولي للتعريفة الجمركية (اتفاقية بروكسل في 5 يونيه 1890)، ومكتب الصحة الدولي (اتفاقية باريس في 9 ديسمبر 1907). كما أنشئت هيئة التحكيم الدولية (عرفت فيما بعد باسم: محكمة العدل الدولية)، بناءً على توصيات مؤتمر عقد في هولندا عام 1899.

وعلى الرغم من قصور هذه المؤتمرات والمنظمات، ومحدوديتها آنذاك، فإنها تُعَدّ اللبنات الأولى في مشروع إنشاء عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة بعد ذلك.

ثانياً: عصبة الأمم League of Nations

في يناير عام 1918، وبعد مرور ما يقرب من أربعة أعوام من القتال المرير في الحرب العالمية الأولى، تقدم الرئيس الأمريكي "ويلسون" (اُنظر صورة وودر ويلسون) بورقة ضَمَّنَها مجموعة من الآليات والمقترحات، لإحلال السلام العالمي، وقد بلغت هذه المقترحات 14 مقترحاً. ودعا في المقترح الرابع عشر إلى إنشاء رابطة أممية لدعم السلام، وحمايته، وردع الدول المعتدية. وبالفعل، وفي 11 نوفمبر 1918، وقعت حكومات الدول المتحاربة، آنذاك، هدنة لوقف إطلاق النار. ثم تلا ذلك الإعداد لمؤتمر السلام، في باريس، عام 1919 (اُنظر صورة معاهدة فرساي).

واستمرت المحادثات، التي اشتركت فيها وفود 32 دولة، في قصر فرساي، بالقرب من باريس، قرابة 6 أشهر، ورأس الوفد الأمريكي، آنذاك، الرئيس "ويلسون"؛ إذ أسهم، إلى حد كبير، في إخراج معاهدة فرساي، في صورتها النهائية. وقد تم التوقيع على معاهدة فرساي في 28 يونيه 1919، ثم أصبحت سارية المفعول في 10 يناير 1920. وتضمن البند الأول من المعاهدة الموافقة، لأول مرة، على إنشاء عصبة الأمم (اُنظر صورة اجتماع عصبة الأمم). إلا أن الغريب في الأمر، أن مجلس الشيوخ الأمريكي، آنذاك، رفض التصديق على المعاهدة، على الرغم من أن فكرة إنشاء العصبة كانت ترجع في المقام الأول إلى الرئيس الأمريكي "ويلسون".

وهكذا أنشئت عصبة الأمم دون أن تنضم إليها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن جهود الرئيس "ويلسون"، في هذا الصدد، قوبلت بالتقدير اللائق بها، في وقت لاحق، حين حصل على جائزة نوبل للسلام لعام 1919، تقديراً لجهوده المتميزة في دعم السلام العالمي.

وقد بلغ عدد الأعضاء الأصليين للعصبة 42 دولة، ثم انضم إليهم عدد آخر، حتى بلغ عدد الأعضاء في بعض الأوقات إلى 58 دولة، من بينها دولتان عربيتان، هما: مصر، والعراق. وقد تنازع العصبةَ عند إنشائها تياران؛ أحدهما: أخلاقي مثالي غذته مبادئ الرئيس ويلسون، والآخر: واقعي، تزعمته الدول الأوروبية، بقيادة بريطانيا وفرنسا. ويطالب هذا التيار بأن تكون العصبة إطاراً قوياً لنظام الأمن الجماعي العالمي، والأوروبي، على وجه الخصوص. تحمي ما أفرزته معاهدة فرساي التي أمعنت في فرض شروط المنتصر على المنهزم، واستهدفت إدامة تعجيزه في النظام الجديد.

وقد بدأت المبادئ المثالية للعصبة تتهاوى بشدة، عندما تعرضت لأول اختبار حقيقي، وحدث ذلك حينما احتلت إيطاليا الحبشة في 5 مايو عام 1936، غير أن الدول الأوروبية لم تقم بواجبها برفض الاحتلال، وغضت الطرف عن التجاوزات الإيطالية وتخاذلت عن نصرة مبادئ العصبة، وغلبت ـ في الوقت نفسه ـ مبادئ السياسات الأوروبية المشبعة بالمصالح والأهواء الاستيطانية، أملاً في كسب إيطاليا إلى صفها في مواجهة ألمانيا النازية الصاعدة بقوة وإلحاح إلى سماء السياسة العالمية. لكن هذه السياسة المتخاذلة تجاه إيطاليا أصيبت بلطمة شديدة أطاحت بكل حساباتها، عندما انضمت إيطاليا إلى ألمانيا واليابان في محور الحرب العالمية الثانية التي وقعت بعد ما يقرب من عشرين عاماً على إنشاء عصبة الأمم. وأفرزت هذه التجربة المحبطة أسباباً قوية تشكك في قدرة عصبة الأمم على حفظ السلم والأمن الدولييْن، الأمر الذي دعا إلى التفكير جدياً في إيجاد منظمة بديلة، تتلافى عيوب العصبة. وفي الواقع كانت هناك أسباب سياسية واقتصادية أخرى عديدة، تدفع إلى التخلص من عصبة الأمم؛ فقد خُوِّلَت العصبة اختصاصاتٍ واسعةً في المجال السياسي، ومجال التعاون الدولي؛ إذ كانت تختص بفض المنازعات بالطرق السلمية، وتشرف على برامج خفض التسلح، وتتخذ كل الإجراءات اللازمة لرد أي عدوان على دولة عضو، كما خُوِّلَت آليات توثيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، بين الدول، والإشراف على إدارة بعض الأقاليم، والنهوض بها، ومع ذلك بدت السلطات الفعلية للعصبة متهافتة جداً. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أهمها:

1. عدم امتلاك عصبة الأمم ـ طبقاً لعهدها وتحت تأثير الاتجاه الأنجلو ـ سكسوني ـ سلطات حقيقية، تتناسب مع حجم المهام المنوطة بها، وكذا مع ما كانت تتمتع به من مساندة الرأي العام العالمي، وتضامنه معها.

2. استوجب كل ما صدر عن العصبة، ولو في صورة توصية، إجماع كل الدول الأعضاء، الأمر الذي أخضعها لأهواء الدول الكبرى ورغباتها الذاتية، بما أدى إلى تهافت حركة العصبة، وضعف تأثيرها.

3. لم ينص عهد العصبة صراحة على تحريم الحرب تحريماً مطلقاً.

4. أن الإجراءات الجماعية التي كانت تتخذها العصبة ضد الدولة المعتدية في حالة الحرب، لم تكن كافية، سواء أكانت إجراءات اقتصادية أم عسكرية، كما أن التدخل كان يأتي متأخراً في كثير من الأحيان.

5. لم تنجح عصبة الأمم في تحقيق صفة العالمية، ذلك أنها لم تضم، في أي وقت من الأوقات، كل دول العالم. كما ظل الطابع الأوروبي غالباً عليها. ففي السنوات الأولى، استبعد أعضاؤها المؤسسون ـ بناءً على رغبة الحلفاء المنتصرين ـ الدول المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، كما ظل نشاط العصبة محروماً من مشاركة الدول الكبرى، إذ رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الاشتراك فيها، ولم ينضم الاتحاد السوفيتي إلا عام 1934، وتم فصله عام 1939 بسبب اعتدائه على فنلندا، وانسحبت ألمانيا واليابان عام 1933، ثم تلتهما إيطاليا عام 1937. بما أدى إلى عدم تعاون هذه الدول في حالات اتخاذ إجراءات جماعية ضد دولة عضو.

وقد تفاعلت جميع هذه الأسباب بعضها مع بعض، لتقوم بتكبيل المنظمة بعدد من القيود جعلتها عاجزة عن حل عديد من النزاعات التي تحدث في العالم، الأمر الذي دفع دولاً أخرى إلى الانسحاب من المنظمة، أو الامتناع عن الإسهام في نشاطها.

هذا، فضلاً عن تهاون العصبة في الرقابة على تنفيذ برامج تحديد التسلح، بما أدى إلى زيادة تسلح بعض الدول، بصورة أخلت كثيراً بتوازن القوى في العالم.

وعلى الرغم من إخفاق "عصبة الأمم" في تحقيق معظم أهدافها، نجحت - من وجه آخر - في إفراز عديد من المبادئ الهامة التي مهدت الطريق لإقامة هيئة عالمية، عملت على أن تأخذ بكثير من المبادئ التي أقرتها عصبة الأمم، وأن تتلافى - في الوقت نفسه - أوجه القصور التي عانت منها. فكانت "هيئة الأمم المتحدة" "United Nations"، التي أُعلن عنها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في 26 يونيه 1945. وفي الفترة من 8 إلى 18 أبريل سنة 1946، عقدت الجمعية العامة لعصبة الأمم آخر دورة لها (الدورة الحادية والعشرين) في جنيف، وأُعلن في نهايتها عن تصفية عصبة الأمم رسمياً، وقررت جمعيتها العامة أن تؤول أموالها وممتلكاتها إلى الهيئة البديلة "هيئة الأمم المتحدة".

ثالثاً: ميلاد هيئة الأمم المتحدة

كانت الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية من القسوة بمكان، بحيث لا يمكن تجاهلها أو نسيان ما خلفته. إذ تركت هذه الحرب ويلات لا يزال العالم يعاني من آثارها حتى الآن. استمرت هذه الحرب قُرَابَة ست سنوات (1939- 1945)، وتُعَدّ الخسائر التي خلفتها هي الأكبر في تاريخ البشرية على الإطلاق؛ إذ فقد العالم في هذه الحرب قرابة 50 مليون قتيلٍ. ولم يكن القتلى من العسكريين فحسب، وإنما عانى المدنيون كذلك من خسائر فادحة في الأرواح. فعلى سبيل المثال حصدت القنبلتان الذريتان اللتان أسقطتا على هيروشيما (Hiroshima) وناجازاكي (Nagazaki) أرواح 250.000 (مائتين وخمسين ألفاً) من المدنيين الأبرياء في ثوانٍ معدودة (اُنظر صورة القنبلة الذرية على هيروشيما).

كما كان لويلات الحرب العالمية الثانية (اُنظر صورة آثار الحرب العالمية الثانية)، وللفشل الذريع الذي صاحب عصبة الأمم، الأثرُ الكبير لتحرك العالم نحو تكوين هيئة دولية للمحافظة على السلم والأمن الدولييْن، فكانت "هيئة الأمم المتحدة" (United Nations). وقد مر إنشاؤها بعدة مراحل نسردها فيما يلي:

1. تصريح لندن (12 يونيه 1941):

اجتمع ممثلو أربع عشرة دولة من الدول الغربية ودول الكومنولث، في الثاني عشر من يونيه عام 1941، للتوقيع على وثيقة عرفت باسم "تصريح لندن" وقد تضمنت هذه الوثيقة حث دول العالم على التعاون لمنع الحروب ونشر السلم، ونصت على: "إن الأساس الحقيقي الوحيد الذي يرتكز عليه السلام هو التعاون الحر لشعوب حرة في عالم لا يخضع للتهديد أو العدوان، عالم يتاح للجميع فيه أن ينعموا بالأمن والاطمئنان، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. إننا عازمون على أن نعمل معا متعاونين مع الشعوب الحرة، في الحرب وفي السلم، في سبيل تحقيق هذا الهدف".

2. ميثاق الأطلسي Atlantic Charter (14 أغسطس 1941):

وقد صدر هذا الميثاق عقب اجتماع الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" (Franklin D. Roosevelt)، ورئيس وزراء بريطانيا "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) في 14 أغسطس عام 1941 على ظهر البارجة البريطانية "برنس أوف ويلز" (Prince of Wales) (اُنظر صورة توقيع ميثاق الأطلسي).

ونص ميثاق الأطلسي على: "أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والوزير الأول السير/ تشرشل، ممثلاً لحكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة، بعد لقائهما، يقرران وجوب التعريف لبعض المبادئ المشتركة للسياسة الوطنية لبلديهما، وهذه المبادئ هي التي يبنيان عليها آمالهما في مستقبل أفضل للعالم كله، وتلخص فيما يلي:

أ. أن بلديهما لا تحاولان القيام بأية عملية توسعية، أو غيرها.

ب. أنهما غير راغبين في رؤية أي تغيير يجري في كيان أي بلد لا يكون متفقاً مع الإرادة الحرة للشعوب ذات العلاقة.

ج. أنهما يحترمان حق كل الشعوب في اختيار نظام الحكم الذي يلائمها، ويتمنيان عودة السيادة والاستقلال لكل الشعوب التي حرمت منها بالقوة.

د. أنهما سيبذلان كل جهودهما، مع احترامهما الفائق لالتزاماتهما القائمة، لوضع التسهيلات الكافية أمام كل الدول، كبيرها وصغيرها، المنتصر فيها والمنهزم، وعلى مستوى من المساواة في الحقوق بالنسبة للتجارة، وحقوقها في المواد الأولية الضرورية لرفاهيتها الاقتصادية.

هـ. أنهما يتمنيان إقامة أوثق تعاون اقتصادي بين كل الأمم لتوفير أحسن ظروف للعمل من أجلها جميعاً، وضمان وضع اقتصادي أكثر ملائمة وتحقيق الضمان الاجتماعي.

و. أنهما يأملان في إقامة سلام يزود الأمم كلها بوسائل العيش في طمأنينة تامة ضمن حدودها السياسية، ويوفر لسكان كل البلاد التأكيدات اللازمة للأمان من الخوف والحاجة بعد التخلص من الطغيان النازي.

ز. على مثل هذا السلام أن يسمح لكل الناس باجتياز البحار والمحيطات دون أية عقبة.

ح. أنهما يعتقدان أن على كل أمم العالم، لأسباب مادية وروحية، أن تتوصل إلى التخلي نهائياً عن استعمال القوة. علما بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلم دائم إذا بقيت الأسلحة أداة تستعمل على الأرض، أو في البحر، أو في الجو، من قبل أمم تهدد أو تستطيع أن تهدد باللجوء إلى عمليات عدوانية خارج حدودها، وهما مقتنعان ـ بانتظار إقامة نظام أكثر اتساعاً واستمراراً لتحقيق الأمن العام ـ بأن تجريد مثل هذه الأمم من السلاح هو شرط أساسي. وأنهما سيشجعان على اتخاذ كل الإجراءات التي تنتهي عمليا إلى تخفيف الأثقال المرهقة لعملية التسلح بالنسبة للشعوب المحبة للسلام".

وبعد فترة وجيزة من صدور ميثاق الأطلسي اشترك الاتحاد السوفيتي وتسع حكومات أخرى في التوقيع عليه.

3. تصريح الأمم المتحدة (أول يناير 1942):

هو بيان صدر في مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عقب اجتماع ممثلي ست وعشرين دولة، بهدف تشكيل جبهة عالمية ضد دول المحور. وقد نص التصريح على ضرورة إنشاء منظمة عالمية في أقرب وقت ممكن لتحقيق الأمن والسلام في جميع دول العالم (اُنظر صورة تصريح الأمم المتحدة).

والدول الموقعة على هذا التصريح كانت هي:

الولايات المتحدة الأمريكية ـ الاتحاد السوفيتي ـ المملكة المتحدة ـ الصين ـ أستراليا ـ كندا ـ بلجيكا ـ كوستاريكا ـ كوبا ـ تشيكوسلوفاكيا ـ الدومينيكان ـ بنما ـ السلفادور ـ اليونانـ جواتيمالاـ هاييتي ـ هندوراس ـ الهند ـ لوكسمبورج ـ هولندا ـ نيوزيلندا ـ نيكاراجوا ـ النرويج ـ بولندا ـ يوغسلافيا ـ جنوب أفريقيا.

وكانت هذه أول مرة يظهر فيها اسم "الأمم المتحدة". وفي خطابه الذي ألقاه في 21 أكتوبر 1942، أمام مجلس العموم واللوردات البريطانيين، اقترح الرئيس الأمريكي روزفلت (اُنظر صورة فرانكلين روزفلت)، إطلاق اسم "الأمم المتحدة" على المنظمة المزمع قيامها. وقد لاقت هذه التسمية ترحيباً بين الأوساط البريطانية المسؤولة آنذاك.

وانضم في التوقيع على هذا التصريح بعد ذلك إحدى وعشرون دولة، من بينها خمس دول عربية هي: العراق، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان.

4. تصريح موسكو (30 أكتوبر 1943):

وقد صدر هذا التصريح عقب اجتماع ممثلو الدول الأربع الكبرى، وهى: المملكة المتحدة (ومَثَّلَها السياسي الشهير أنتوني إيدن Anthony Eden)، والاتحاد السوفيتي (ومَثَّله فيينشسلاف مولوتوف وزير الخارجية)، والولايات المتحدة الأمريكية (ومَثَّلها وزير خارجيتها كوردل هول Cordell Hull)، ودولة الصين (ومَثَّلها سفير الصين في موسكو).

ومن النقاط المهمة التي نص عليها تصريح موسكو، ما يلي:

أ. استمرار القتال حتى تسلم القوات النازية دون قيد أو شرط.

ب. ضرورة إقامة دعائم للسلام.

ج. ضرورة إقامة تنظيم عالمي للمحافظة على السلم والأمن الدولييْن قائما على:

(1) مبدأ المساواة في السيادة بين كل الدول المحبة للسلام.

(2) أن تكون عضوية هذا التنظيم مفتوحة لجميع الدول المحبة للسلام صغيرها وكبيرها للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين.

(3) العمل على توطيد القانون والنظام القائم على ضمان العدل.

(4) أن تتشاور الدول الأعضاء عند الضرورة للقيام بعمل مشترك لمصلحة الأسرة الدولية.

(5) كما أكد التصريح رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين في إنشاء الأمم المتحدة والانضمام إليها.

5. تصريح طهران (أول ديسمبر 1943):

وقد صدر هذا التصريح بعد اجتماع كل من روزفلت وستالين وتشرشل بمدينة طهران في الفترة من 28 نوفمبر إلى أول ديسمبر 1943 لدراسة عدد من الموضوعات الملحة آنذاك، منها الخطط النهائية للهجوم على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، ووضع الخطوط العريضة لمرحلة ما بعد الحرب.

وقد أكد هذا التصريح على عزم هؤلاء الرؤساء على التعاون مع جميع الشعوب الراغبة في السلام في السيطرة والقضاء على الاستعباد، وعلى ضرورة إقامة نظام للسلام العالمي، وفقاً لمبادئ تصريح الأطلسي.

6. مقترحات مؤتمر دمبرتون أوكس Dumbarton Oaks Conference (7 أكتوبر 1944):

عقد هذا المؤتمر بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت أن يتم التشاور لإنشاء منظمة دولية تخلف عصبة الأمم بين الدول الكبرى أولاً. وقد قامت الولايات المتحدة بدعوة كل من المملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين إلى الاجتماع في دار دمبرتون أوكس بضاحية جورج تاون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ولما كان الاتحاد السوفيتي لم يعلن الحرب على اليابان، فلم يكن ممكناً أن يجتمع ممثلوه مع ممثلي الصين التي كانت في حرب مع اليابان. ولذلك فقد عُقد المؤتمر على مرحلتين، الأولى بدأت في 21 أغسطس واستمرت حتى 28 سبتمبر عام 1944، واجتمع فيها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، ثم أعقبها المرحلة الثانية في الفترة من 29 سبتمبر إلى 7 أكتوبر عام 1944، واجتمع فيها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والصين. (اُنظر صورة مؤتمر ديمبرتون أوكس).

وقد مَثَّل الولايات المتحدة الأمريكية وفد تَرَأَّسَهُ إدوارد استيتينس (Edward Stettinius) نائب وزير الخارجية، ومَثَّل الاتحاد السوفيتي وفد تَرَأَّسَهُ أندريه جروميكو (Andrei Gromyko)، سفير الاتحاد السوفيتي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومَثَّل المملكة المتحدة وفد برئاسة نائب وزير الشؤون الخارجية البريطانية، أما الصين الوطنية التي انضمت في المرحلة الثانية فقد مُثِّلت بوفد تَرَأَّسَهُ "كو" (V.K. Welling Koo)، سفير الصين لدى المملكة المتحدة. وقد تضمنت مقترحات دمبرتون أوكس ما يلي:

أ. قيام تنظيم دولي يعرف باسم "الأمم المتحدة" يكون من أهدافه حفظ السلم والأمن الدولييْنْ، وتحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية. على أن يعمل التنظيم على تحقيق هذه الأهداف طبقاً للمبادئ الآتية:

(1) المساواة بين الدول.

(2) حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية.

(3) فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

(4) عدم استعمال القوة في العلاقات الدولية.

(5) مساعدة التنظيم الدولي، إذا اضطر إلى استعمال القوة.

(6) الامتناع عن مساعدة أي دولة يتخذ إزاءها أي عمل من أعمال القمع.

ب. يتكون التنظيم من الأجهزة (الفروع) الآتية:

(1) جمعية عامة: تتألف من مندوبي جميع الدول، وظيفتها النظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولييْن، والتعاون في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

(2) مجلس أمن: يتألف من الدول العظمى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والصين، وفرنسا، وستة أعضاء آخرين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين. ويختص هذا المجلس بالنظر في كل المشكلات الدولية التي من شأنها تهديد السلم والأمن الدولييْن، أو تعريضهما للخطر، كما أن للمجلس حق استخدام القوة ضد أي دولة تعمل على تهديد السلم، ووضع الخطط اللازمة لتخفيض التسلح.

(3) محكمة عدل دولية: وتقام على غرار محكمة العدل الدولية الدائمة التابعة لعصبة الأمم.

(4) أمانة عامة: تشمل أميناً عاماً، وعدداً من الموظفين.

ج. ليس في مقترحات دمبرتون أوكس ما يحول دون قيام تنظيمات إقليمية، وهذا ترضية للنزعة الإقليمية التي كانت مسيطرة على بعض أعضاء لجنة شؤون ما بعد الحرب.

د. حتى يقوم التنظيم الجديد تتشاور الدول التي اشتركت في تصريح موسكو، ووقعته بتاريخ 30 أكتوبر عام 1943، للقيام، نيابة عن التنظيم المزمع إنشاؤه، بالأعمال القهرية التي قد تلزم لحفظ السلم والأمن الدولييْن.

7. مؤتمر يالتا Yalta(4-11 فبراير 1945):

عقد الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، وهم: بريطانيا، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، مؤتمراً في مدينة يالتا (Yalta) على ساحل البحر الأسود بمقاطعة كريميا السوفيتية، وكان ذلك في الفترة من 4 إلى 11 فبراير عام 1945(اُنظر صورة مؤتمر يالتا). وفيه تشكلت الصورة النهائية للهيئة الدولية. فبعد أن اتفق رؤساء الدول الثلاثة المجتمعة روزفلت (Roosevelt)، وستالين (Stalin)، وتشرشل (Churchill) على مجموعة من البنود الخاصة بإنهاء الحرب العالمية الثانية، وضعوا الصيغة النهائية لهيئة الأمم المتحدة، وتمثلت فيما يلي:

أ. دعوة الحكومات المحبة للسلام التي أعلنت الحرب على دول المحور، وقبلت تصريح الأمم المتحدة، ووافقت عليه في أول مارس عام 1945 لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو لإبرام ميثاق التنظيم الدولي الجديد على أساس مبادئ مؤتمر دمبرتون أوكس.

ب. وضع قواعد التصويت في مجلس الأمن، ومنح الدول الخمس العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن (Big Five)، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، والصين مبدأ حق الاعتراض (الفيتو Veto).

ج. فيما يتعلق بالمستعمرات والدول غير المتمتعة بالحكم الذاتي، اتفق على أن: توضع الأراضي التي كانت تحت الانتداب في ظل نظام العصبة تحت نظام الوصاية في المنظمة الدولية الجديدة، ويضاف إليها الأراضي التي سوف تنتزع من الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية، ثم المستعمرات التي توضع تحت الوصاية بمحض إرادة الدولة المسؤولة عن إدارتها.

د. اتفقت الدول الثلاث على وضع نظام لمحكمة العدل الدولية.

8. مؤتمر سان فرانسيسكو وميثاق الأمم المتحدة (أبريل ـ يونيه 1945):

وجهت الدعوة لحضور هذا المؤتمر، إلى جميع الدول التي أعلنت الحرب على دول المحور، وقَبِلَت تصريح الأمم المتحدة.

وقد بلغ عدد الدول التي أعلنت الحرب على دول المحور آنذاك، ستاً وأربعين دولة، منها: لبنان، وسورية، والعراق، والمملكة العربية السعودية.

ثم انضمت إلى هذه الدول بعد ذلك أربع دول أخرى هي: الأرجنتين، والدانمارك، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، بعد موافقة مؤتمر يالتا على تمثيل الأخيرتين بوصفهما جمهوريتين مستقلتين.

وبحضور ممثلي الدول الخمسين، عُقد مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 25 أبريل إلى 26 يونيه عام 1945. وتَكوّن المؤتمر من أربع لجان عامة، تفرعت عنها أربع لجان خاصة، وهذه بدورها تفرع عنها لجان فنية. واتُّخِذَت مقترحات دمبرتون أوكس أساساً لهذا الاجتماع. فكان يُعْرَضُ كل اقتراح من اقتراحات دمبرتون أوكس على لجنة فنية، وبعد المناقشات وإدخال التعديلات، تُصاغ هذه المقترحات من الناحية القانونية، ثم تُعرض للتصويت في عدة لجان أخرى، وبعد إقرارها من قِبَل هذه اللجان، تُعرض على المؤتمر لأخذ الموافقة عليها، حتى اكتملت الوثيقة النهائية، ووُفِق عليها بالإجماع في 26 يونيه 1945 (اُنظر صورة مؤتمر سان فرانسيسكو)، وتلا ذلك توقيع الدول الخمسين على هذه الوثيقة التاريخية التي سميت بـ "ميثاق الأمم المتحدة" (اُنظر صورة ميثاق الأمم المتحدة). وقد احتوى هذا الميثاق على مائة وإحدى عشرة مادة، وأصبحت المنظمة حقيقة واقعة في 24 أكتوبر سنة 1945، حينما أودعت كل من: فرنسا، والصين، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وغالبية الدول الموقعة على الميثاق، وثائق التصديق على الميثاق؛ ولذا عُدّ يوم 24 أكتوبر من كل عام "يوم الأمم المتحدة".

وفي الفترة من 24 نوفمبر إلى 22 ديسمبر من عام 1945، عُقِدَت اجتماعات اللجنة التحضيرية في لندن، وشارك فيها ممثلو خمسين دولة؛ إذ بحثت اللوائح الداخلية الخاصة بالجمعية العامة (General Assembly)، ومجلس الأمن (Security Council)، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي (Economic and Social Council)، ومجلس الوصاية (Trusteeship)، ومحكمة العدل الدولية (International Court of Justice)، ومشروع المزايا والإعفاءات التي تمنح لهيئة الأمم المتحدة وموظفيها.

وقد عقدت أول دورة "للجمعية العامة" للأمم المتحدة بمدينة لندن يوم 10 يناير عام 1946 (اُنظر صورة الدورة الأولى)، ووُفِق، في هذه الدورة، على المشروعات التي تقدمت بها اللجنة التحضيرية، كما انْتُخِب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأعضاء محكمة العدل الدولية، وكذلك انْتُخِب في هذا الاجتماع "تريجف لي" "Trygve Halvdan Lie"، أَوَّل أمين عام للأمم المتحدة، بالإجماع.

أما أول اجتماع لمجلس الأمن، فقد انعقد في نفس الشهر، وبالتحديد في 17 يناير عام 1946، وكان عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، في مجلس الأمن آنذاك، 11 عضواً (اُنظر صورة أول اجتماع لمجلس الأمن).

وبتأليف مجلس الوصاية، في القسم الثاني من الدورة، في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، من عام 1946، تكون الأمم المتحدة بذلك قد استكملت جميع أجهزتها الرئيسية.

رابعاً: مقر هيئة الأمم المتحدة:

بعد توقيع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو وخروج المنظمة الدولية إلى النور، كان إيجاد مقر دائم لهذه المنظمة من الأمور التي كان لها الأولوية في ذلك الوقت. فأثناء الفترة ما بين 1945-1952، اتخذت المنظمة الدولية مقرات مؤقتة وغير دائمة، ففي السنوات الأولى، كان المقر الرئيسي هو فندق مانهاتن وسط مدينة نيويورك(Midtown Manhattan Hotel)، ثم نقل المقر الرئيسي للمنظمة بعد ذلك إلى كلية هانتر في برونكس (Hunter College in The Bronx)، ثم نُقِل إلى مصنع سابق لصناعة أدوات ملاحة الطائرات والسفن (Speny Gyroscopic Plan) في لونج آيلند (Long Island). وظل هذا المقر هو المقر الرئيسي للأمم المتحدة لمدة أربع سنوات قبل انتقالها أخيراً إلى مقرها الحالي. وكان من المفارقات العجيبة أن يصير مقر صانعي السلام هو المكان الذي كان قد تخصص في صناعة أدوات الحرب في زمن سابق.

وأثناء هذه الفترة لم تأل المنظمة جهداً في البحث عن مقر رئيسي نهائي لها؛ فتكونت لجنة بحث عن المكان المناسب للمنظمة، وكانت مدينة سان فرانسيسكو من المدن المقترحة لذلك، إلا أنه لبعدها البالغ رفض السوفيت هذا الاقتراح. كما اقترحت مدينة فيلاديفيا، لكن الاقتراح لم يلق قبولاً كذلك. غير أن العرض السخي الذي قدمه الثري الأمريكي الشهير جون روكفلر (John D. Rockefeller, JR) حسم الأمر نهائياً لصالح مدينة نيويورك، إذ تبرع روكفلر بمبلغ 8.5 مليون دولار لشراء قطعة أرض مساحتها 18 فداناً بمدينة نيويورك، ثم قامت مدينة نيويورك كذلك بتقديم أراض أخرى لإكمال مشروع إنشاء مقر هيئة "الأمم المتحدة" (اُنظر صورة مقر المنظمة في الأربعينات) و(صورة المجلس الاستشاري المعماري) و(صورة حجر الأساس) و(صورة إنشاء مقر المنظمة). ويُعد المكان الذي تقع فيه الهيئة الدولية خارجاً عن الحدود الأمريكية، على الرغم من وجوده في قلب مدينة نيويورك؛ حيث يمثل "ملكية دولية"، لا "ملكية أمريكية". ثم صدر عن اجتماع الجمعية العامة في دورتها الأولى بلندن، في 14 فبراير 1946، قرار يقضي باتخاذ مدينة نيويورك مقراً مؤقتاً للمنظمة الجديدة. ولم يمض على هذا القرار 10 أشهر حتى تقرر اتخاذ مدينة نيويورك مقراً دائماً للمنظمة، إعمالاً للقرار الصادر عن الجمعية في القسم الثاني من نفس الدورة بتاريخ 14 ديسمبر 1946.

ويتكون المركز الرئيس للهيئة الدولية من أربعة مبان:

1. مبنى الجمعية العامة ذو القبة الصغيرة.

2. مبنى الأمانة العامة، ويتكون من 39 طابقاً من الألومنيوم والزجاج.

3. مكتبة داج همرشولد.

4. مبنى المؤتمرات المطل على النهر.

وقد تكلف بناء هذا المشروع، من دون حساب تكلفة إنشاء المكتبة، مبلغ 67 مليون دولار. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بدفع هذا المبلغ تقريباً. أما مكتبة داج همرشولد، فقد تكلف إنشاؤها وحدها مبلغ 6.6 مليون دولار، غير أنها كانت هديـة من مؤسسة فورد (Ford Foundation)، وهي مؤسسة خيرية أسسها هنري فورد (Henry Ford) صاحب مصانع عربات فورد الأمريكية الشهيرة.

خامساً: ميزانية هيئة الأمم المتحدة:

تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على ميزانية هيئة الأمم المتحدة كل سنتين، على ألا تتضمن هذه الميزانية مخصصات الوكالات الخاصة، وبرامج الأمم المتحدة.

ويقوم الأمين العام بتقديم الميزانية التي تراجعها لجنة التوصيات في المسائل الإدارية والمالية (Advisory Committee Administrative and Budgetary Questions)

وتتكون هذه اللجنة من 16 خبيراً مرشحين من قبل حكوماتهم، وينتخبون من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. أما الجوانب البرامجية (Programmatic Aspects)، فتراجع من قبل لجنة التخطيط والتنسيق (Committee For Programmed and Coordination)، التي تتكون من 34 خبيراً، ينتخبون من قبل الجمعية العامة، ويمثلون وجهات نظر حكوماتهم. وقد قدرت الميزانية المرصودة للهيئة في عامي 1998- 1999 بحوالي 2532 مليون دولار أمريكي؛ أي أقل من ميزانية عامي 1996-1997 بحوالي 10.1 مليون دولار أمريكي.

وتقوم ميزانية الأمم المتحدة بتغطية نفقات برامج الأمم المتحدة المختصة بالعلاقات السياسية والقانون الدولي، والتعاون الدولي، والتنمية، والمعلومات العامة، وحقوق الإنسان، والعلاقات الإنسانية.

وتُعد مساهمات الدول الأعضاء المصدر الرئيسي لميزانية هيئة الأمم المتحدة. إلا أنه في الآونة الأخيرة تعرضت ميزانية الهيئة الدولية لموقف حرج نتيجة عدم مقدرة الدول المساهمة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الهيئة، غير أن إسهامات بعض الأعضاء التطوعية قد نجحت، إلى حد كبير، في تحسين وضع ميزانية الهيئة الدولية. ففي 31 ديسمبر 1997، ومن مجموع 185 دولة "الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة"، قامت 100 دولة فقط بالوفاء بالتزاماتها المالية تجاه هيئة الأمم المتحدة، في حين عجزت الـ85 دولة الأخرى عن تسديد ما عليها من التزامات مالية تجاه الهيئة.

وفي 15 يونيه 1998 بلغ مجموع المبالغ التي لم تُسَدَّد إلى ميزانية هيئة الأمم المتحدة من قبل الأعضاء المساهمين قرابة 990 مليون دولار، منها ما يقرب من 638 مليون دولار لم تُسَدَّد عن عام 1998، و352 مليون دولار متأخرة السداد عن ميزانية عام 1997.

وفضلاً عن الميزانية العادية لهيئة الأمم المتحدة، هناك تكاليف عمليات حفظ السلام في العالم، التي يُسهم فيها كذلك الدول الأعضاء. ومما لاشك فيه أن هذه التكاليف تزيد أو تنقص تبعاً لتأجج مناطق الصراع في العالم أو خَبْوِها. فعلى سبيل المثال ارتفعت تكاليف عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عام 1995 إلى 2.8 مليار دولار، الأمر الذي يعكس حجم التكاليف التي تكبدتها المنظمة لحفظ السلام في يوغسلافيا السابقة. وقد انخفضت تلك التكاليف إلى 1.4 و 1.3 بليون دولار في عامي 1996 و1997 على التوالي.

وقد بلغت الميزانية العامة لهيئة الأمم المتحدة لعام 1997 مبلغ 3.165 مليار دولار أمريكي متضمنة مخصصات البرامج، والمكاتب المختلفة، والوكالات العاملة، فيما عدا البنك الدولي World Bank، وصندوق النقد الدولي (The International Monetary Fund)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (International Fund for Agricultural Development
مبادئ وأهداف وتنظيم هيئة الأمم المتحدة

أولاً: مبادئ هيئة الأمم المتحدة

تقوم هيئة الأمم المتحدة على عدد من المبادئ الهامة والمذكـورة في الميثاق (اُنظر ملحق ميثاق الأمم المتحدة). وتلتزم بهذه المبادئ كل من: الهيئة، والدول الأعضاء في علاقاتها بعضها ببعض، وهذه المبادئ هي:

1. مبدأ المساواة في السيادة:

تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على المساواة بين جميع الدول، بغض النظر عن التفاوت في إمكاناتها، من حيث الثروات الطبيعية، والبشرية، والتقدم، إذ تقرر الفقرة (2) من ديباجة الميثاق أن "والأمم كبيرها وصغيرها متساوية في الحقوق". ونصت المادة (2) الفقرة (1) من الميثاق على أن "تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها". أما إعلان مؤتمر سان فرانسيسكو، فينص على "المساواة بين الدول قانوناً، وأن تتمتع كل دولة بالحقوق التي تتضمنها السيادة الكاملة، وأن شخصية الدولة مصونة، وكذلك سلامة إقليمها واستقلالها السياسي، كما يجب على كل دولة في ظل النظام الدولي أن تلتزم بتأدية واجباتها والتزاماتها الدولية".

وعلى هذا، تُعَدّ كل الدول الأعضاء سواسية أمام القانون الدولي؛ إذ تطبق عليها قواعد قانونية واحدة، على أن هذا لا يعني أنها متساوية في مركزها الداخلي في الهيئة؛ إذ إن هناك بعض الدول (الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية) تتمتع بحقوق لا تتمتع بها سائر الدول الأعضاء الأخرى.

2. مبدأ فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية:

ويطبق هذا المبدأ فقط في حالة النزاعات التي تنشب بين الدول الأعضاء، حيث لا تتدخل الأمم المتحدة في المنازعات التي تحدث داخل الدولة. وقد نصت المادة (2) الفقرة (3) من الميثاق على هذا المبدأ بقولها: "يفض جميع أعضاء الهـيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعـل السلم والأمن والعـدل الدولي عرضـة للخـطر". وقد تم النص على الوسـائل التي يلجأ إليها المتنازعون حينما يَعِنُّ نزاع ما، في المادة (33) على النحو التالي:

"1- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات، والتنظيمات الإقليمية، أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم.

2- ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من نزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك".

3. مبدأ حسن النية في أداء الالتزامات الدولية:

يُعد مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات والاتفاقات الدولية من أهم مبادئ الأمم المتحدة؛ إذ نصت المادة (2) الفقرة (2) من الميثاق على أنه "لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية، يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق".

4. مبدأ منع استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية:

ورد هذا المبدأ الهام في ديباجة الميثاق، ونصه "نحن شعوب العالم ...، اعتزمنا ...، ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة". كما نصت المادة (2) الفقرة (4) من الميثاق على أن: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".

إلا أن الميثاق ترك لمجلس الأمن أن يقرر استخدام القوة في حل المنازعات الدولية، طبقاً للظروف والملابسات المحيطة بكل حالة على حدة، حيث نصت المادة (39) من الميثاق على أن "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم، أو إخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته، أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (41، 42) لحفظ السلم والأمن الدولييْن، أو إعادته إلى نصابه".

كما نصت المادة (40) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه "منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقدم توصياته، أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة (39)، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً ومستحسناً من تدابير مؤقتة. ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم وبمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه". كما أعطت المادة (41) لمجلس الأمن الحق في "أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية". وفي حالة التأكد من أن التدابير التي نصت عليها المادة (41) لم تف بالغرض، فإن المادة (42) قد أجازت لمجلس الأمن أن يتخذ إجراءات عسكرية عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية، كما يجوز لمجلس الأمن كذلك اتخاذ إجراءات أخرى تتضمن المظاهرات والحصار. وعلى الرغم من أن مبدأ منع استخدام القوة قد جاء ذكره في الديباجة، أباح ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في حالات معينة منها:

أولا: في حالة قيام المجلس بإجراءات القمع والقهر لحفظ الأمن والسلم الدولييْن، كما ورد في المادتين (48) و(53). فالمادة (48) من الميثاق تشير إلى:

"1- الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولييْن يقوم بها جميع أعضاء "الأمم المتحدة"، أو بعض هؤلاء الأعضاء، حسبما يقرره المجلس.

2- يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة، وبطريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها".

أما المادة (53) الفقرة (1)، فقد سمحت لمجلس الأمن أن يستخدم التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأي ذلك ملائماً. ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه، على أنه لا يجوز لهذه التنظيمات والوكالات من نفسها القيام بأي عمل من أعمال القمع.

وعندما يعجز مجلس الأمن عن العمل بسبب تعذر الحصول على إجماع أصوات الأعضاء الدائمين، فإن للجمعية العامة سلطة بحث المشكلة بصورة عاجلة، بهدف إصدار توصياتها للدول الأعضاء باتخاذ إجراءات جماعية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لحفظ الأمن والسلم الدولييْن، وإعادتهما إلى نصابهما، وذلك إعمالاً لقرار الاتحاد من أجل السلم الصادر في 3 نوفمبر 1950.

ثانياً: عند رفض إحدى الدول قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها، وفقاً لما نصت عليه المادة (25) من الميثاق، فإن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الحق في إرغامها على قبول هذه القرارات، وتنفيذها مباشرة، أو عن طريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها، كما نصت على ذلك المادة (48) الفقرة (2) "يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة، وبطريق العمل في الوكالات الدولية المخصوصة التي يكونون أعضاء فيها".

ثالثاً: في حالة استخدام الدول الأعضاء القوة ضد دولة كانت أثناء الحرب العالمية الثانية من الدول المعادية لإحدى الدول الموقعة على الميثاق على نحو ما نصت عليه المادتان (53) و(107).

رابعاً: في حالة الدفاع الشرعي. وقد نصت عليه المادة (51) من الميثاق "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة"، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء، استعمالاً لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من أعمال لحفظ السلم والأمن الدولييْن، أو إعادته إلى نصابه".

5. مبدأ معاونة الأمم المتحدة في الأعمال التي تقوم بها، والامتناع عن مساعدة الدول التي تعاقبها:

وقد نصت على هذا المبدأ المادة (2) الفقرة (5) من الميثاق بقولها: "يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى "الأمم المتحدة" في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق". ويتضح من هذا المبدأ، ومن نص الميثاق أنه يتحتم على الدول أن تلتزم إيجابياً بالمعاونة، وتقديم المساعدة "للأمم المتحدة" في أي عمل تتخذه، طبقاً لنصوص الميثاق، ووفقاً لأحكام الفصل السابع الذي أعطى لمجلس الأمن صلاحية اتخاذ إجراءات، وتدابير قهرية جماعية في حالة تهديد الأمن والسلم الدولييْن، أو وقوع عدوان. ومن هذا الالتزام الإيجابي أن تضع هذه الدول تحت تصرف مجلس الأمن، وبناء على طلبه، وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة، ما يلزم من القوات المسلحة، والمساعدات، والتسهيلات، ومنها حق العبور لحفظ السلم والأمن، على نحو ما أشارت إليه المادة (43) من الميثاق، كما يجب كذلك على هذه الدول أن تلتزم التزاماً سلبياً، وذلك بالامتناع عن تقديم أي مساعدة لأي دولة عضو اتخذت الأمم المتحدة ضدها عملاً من أعمال المنع أو القمع، كما نصت عليه المادة (2) الفقرة (5) "كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ "الأمم المتحدة" إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع".

6. مبدأ التزام الدول غير الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بالعمل وفقاً لمبادئها

نصت المادة (2) الفقرة (6) من الميثاق على أن "تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ، بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولييْن". ويتضح في هذا النص وجود بعض القيود على هذا المبدأ؛ إذ قضى النص باتباع الدول غير الأعضاء لمبادئ "الأمم المتحدة" بالقدر الذي تقتضيه ضرورة المحافظة على السلم والأمن الدولييْن، كما أنه- إلى وقتنا الحالي- لم يتم الاستقرار على رأي أو حل واحد فيما يتعلق بالتزام الدول غير الأعضاء بأحكام المادة الثانية من الالتزام بالحلول السلمية لفض المنازعات الدولية، والامتناع عن استخدام القوة في العلاقات الخارجية. ولا ينبغي إغفال ما كفله الميثاق من حقوق للدول غير الأعضاء في قبول التزامات الحل السلمي في أي نزاع مشار إليه، على نحو ما ورد في المادة (35) الفقرة (2)، كما أعطت المادة (93) الفقرة (2) لهذه الدول الحق في "أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (الملحق الرقم 2) بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن"، وأشارت المادة (35) الفقرة (3) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية (اُنظر ملحق النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية) إلى كيفية تحديد المحكمة لمقدار ما يجب أن تتحمله هذه الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة من نفقات المحكمة عندما تكون طرفاً في الدعوى.

7. مبدأ عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

وقد نصت على هذا المبدأ المادة (2) الفقرة (7) بقولها: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق؛ على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع". ويُقصد بالاستثناء الذي ورد في هذه الفقرة ترك الحرية لمجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات التي يراها في حالات تهديد السلم، أو الإخلال به، أو وقوع العدوان، والتي نصت عليها أحكام الفصل السابع من الميثاق، حتى لو كان هذا الإجراء تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

كما أنه لا ينبغي إغفال أنه في معاهدات التحكيم الدولية التي تبرم بين الدول، قد جرت العادة على استثناء المسائل التي تُعَدّ من صميم الاختصاص الداخلي لكل منها.

ثانياً: أهداف هيئة الأمم المتحدة ومقاصدها من الميثاق

تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيق عديد من الأهداف السامية، من أهمها: فض النزاعات التي قد تشكل خطراً على السلم والأمن الدولييْن، ومنع استخدام القوة، وتحقيق السلام العادل بين دول العالم. وقد جاء ذكر مقاصد الأمم المتحدة في أماكن متعددة من الميثاق على النحو التالي:

1. حفظ السلم والأمن الدولييْن:

وقد ورد هذا المقصد في عديد من الفقرات من الميثاق، لما له من أهمية خاصة، فقد ورد ذكره في الفقرة الأولى من الديباجة "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف". كما ذكرت كذلك الديباجة "وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولييْن".

كما نصت المادة (1) الفقرة (1) من الميثاق على "حفظ السلم والأمن الدولييْن، وتحقيقـاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، ولقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها".

وقد خَصَّت الهيئة مجلس الأمن بسلطة تحقيق السلم والأمن الدولييْن، لما يملكه من سلطات وفعاليات واسعة، وعهدت الهيئة لمجلس الأمن بتحقيقه، سواء بالطرق السلمية، أم باستخدام القوة. وعلى هذا نجد أن المجلس ينفرد بسلطة كبيرة في فرض التسويات.

2. تنمية العلاقات الودية بين الدول:

وهو مقصد ورد في ديباجة الميثاق الذي نص على "أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار". كما ورد ذكره في المادة (1) الفقرة (2) من الميثاق التي حثت على "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام".

3. تحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية:

وقد ورد ذكر هذا المقصد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة كذلك بقولها: "وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية "، وأضافت الديباجة: "وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح"، كما ورد ذكر هذا المقصد في المادة (1) الفقرة (3) من الميثاق التي دعت إلى "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".

ولما لهذا الهدف من أهمية كبرى، تضمن هيكل الأمم المتحدة جهازاً رئيسياً متخصصاً في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، هو "المجلس الاقتصادي والاجتماعي"، الذي أُنشِئ لدعم التعاون بين الدول الأعضاء لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي بينها. كما تعمل "الأمم المتحدة" على:

أ. تحقيق مستوى أعلى للمعيشة، لتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

ب. تيسير الحلول للمشاكل الدولية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.

ج. أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع، بلا تمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، بلا تفريق بين الرجال، والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً، كما تنـص المادة (56) على أن "يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشـتركين، بما يجب عليهـم من عمـل بالتعـاون مع الهـيئة لإدراك المقاصـد المنصـوص عليهـا في المادة الخامسـة والخمسين".

4. اتخاذ هيئة الأمم المتحدة مرجعاً لتنسيق أعمال الدول الأعضاء، وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة:

وقد جاء ذكر هذا المقصد في المادة (1) الفقرة (4) من الميثاق، حيث نصت على: "جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة". ويجب ملاحظة أنه لا يقصد بهذا النص المركزية، على نحو ما كان عليه الحال بالنسبة "لعصبة الأمم"، وإنما المقصود من هذه المرجعية هو تحقيق التعاون بين الدول والمنظمات، والتنسيق بينها، حتى لا يكون ثمة تضارب وتنافر فيما بينها، وبالتالي جعل "الأمم المتحدة" بمثابة المحور الذي تدور حوله أوجه النشاطات المختلفة في مجال العلاقات الدولية، بهدف تحقيق التفاهم الدولي بين الأمم والشعوب.

ثالثاً: الأجهزة الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة Principal Organs of United Nations

يتألف الهيكل التنظيمي لهيئة الأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسية، منها أربعة أنشئت بناءً على نص اتفاقية "دمبرتون أوكس"، وهي:

1. الجمعية العامة General Assembly (http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=2341)

2. مجلس الأمن Security Council (http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=2342)

3. المجلس الاقتصادي والاجتماعي Economic and Social Council (http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=2345)

4. الأمانة العامة Secretariat (http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=2344)

وتم إضافة الجهازين الآخرين بناءً على ميثاق "سان فرانسيسكو"، وهما:

5. مجلس الوصاية Trusteeship

6. محكمة العدل الدولية International Court of Justice (http://www.f-
law.net/law/showthread.php?t=2346

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق